«النهضة» المغربية في زمن «طوطو »!

آخر الأخبار

«النهضة» المغربية في زمن «طوطو »!

رصد المغرب/عبد المولى المروري 

ليس هناك أي تعبير مجازي أو رمزي، هذا توصيف دقيق لهذه المرحلة، وإن كان لا يخفي جانبا من السخرية السوداء.. فعندما نربط مرحلة ما من تاريخ المغرب بشخصية تافهة مثل شخصية طوطو فهذا ليس بدعا من التاريخ، بل جعل هذه الفترة فترة مرجعية مهمة من تاريخ المغرب.. فقد عرف التاريخ الإنساني نماذج تافهة ولكنها طبعت تلك المرحلة بقوة حتى أصبحت مرجعا تاريخيا بسبب قوة تفاهتها وتأثير هذه التفاهة على الدولة والمجتمع.. وإليكم بعض النماذج التاريخية:
1. الإمبراطور نيرون (Nero) – روما:
كان مغنيًا وشاعرًا وراقصًا أكثر من كونه حاكمًا، وعُرف بتفاهته وهوسه بالعروض المسرحية والغناء، حتى قيل إنه كان يُجبر الناس على الاستماع لأشعاره لساعات (مثل طوطو حاليا)، بينما كانت روما تحترق (مثل المغرب الذي يحترق بالغلاء والتخلف…)، كان نيرون يغني ويتأمل النار! وبذلك أصبحت فترته رمزًا للانحطاط السياسي والثقافي. وحاليا يُستشهد باسمه في كل حديث عن ترف الساسة وتفاهتهم أمام كوارث الشعوب.
2. الإمبراطورة ثيودورا – بيزنطة:
كانت راقصة سيرك وممثلة قبل أن تتزوج الإمبراطور جستنيان، ورغم ذكائها السياسي لاحقًا، فقد تميزت بداية عهدها بـ”فضائح البلاط” وعروض الترفيه، حتى أُطلق على المرحلة الأولى من حكمها “عهد الراقصة الحاكمة”. وتحولت رمزًا لاستغلال الجمال والفرجة لصناعة السلطة.
3. الخليفة المستعصم بالله – بغداد (قبل سقوطها):
لم يكن تافهًا بالمعنى الشخصي، لكنه انشغل باللهو والغناء والجواري، واستعان بوزراء ضعفاء. ففي فترته كانت القصور عامرة بالترف، بينما كانت الدولة العباسية تتآكل سياسيًا. ويرتبط اسمه تاريخيًا بـ”سقوط بغداد”، ويُضرب به المثل في غفلة الحاكم وتفاهة البلاط.
في القرن العشرين والواحد والعشرين، أصبحت بعض الشخصيات – من مطربين وراقصات وفنانين مهرجانات – رموزًا لفترة انحدار الوعي الجماعي، لدرجة أن البعض يتحدث عن:
“عصر هيفاء وهبي”
“عصر المهرجانات الشعبية في مصر”
“عصر موازين في المغرب”
“عصر نجوم التيك توك والانستغرام”
وهؤلاء لا تُذكر أسماؤهم عادة كمبدعين، بل كمؤشرات على زمن صعد فيه التفاهة، وسقط فيه العقل والرسالة..
وبالعودة إلى العنوان أعلاه، لنرى كيف ارتبط اسم طوطو بمستوى النهضة المغربية في مختلف المجالات الحيوية والاستراتيجية..
1/ التعليم:
في مؤشر Insider Monkey العالمي للعام 2024، احتل المغرب المرتبة 154 من 218 دولة بمتوسط نقطة منخفضة جدًا . ووفقًا لموقع DataPandas، كان تصنيف التعليم (UNDP Education Index) 127 عالميًا برصيد حوالي 0.609 . أما تقرير Global Education Report وضع المغرب في المرتبة 64 من حيث النظام التعليمي العالمي .
2/ الصحة (العامة وصحة المرأة):
في مؤشر Numbeo للرعاية الصحية عام 2025، احتل المغرب المرتبة 94 عالميًا بمعدل 47.0 . أما في “Global Women’s Health Index” (Hologic)، فجاء في المرتبة 131 من 141 دولة مصنفة .
3/ التنمية البشرية (HDI):
وفقًا لتقرير HDI لعام 2025، حصل المغرب على درجة 0.710 واحتل المرتبة 120 من أصل 193، مصنفًا ضمن الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة .
4/ السعادة:
في تقرير السعادة العالمي 2025، تراجع المغرب إلى المركز 112 من 147 دولة، بمعدل نحو 4.62 نقطة . وتم تأكيد هذا التراجع مقارنة بتقرير 2024 الذي وضعه في المرتبة 107 .
6/ الأمن والجريمة:
مؤشر الجريمة لعام 2025 أظهر وقوع المغرب في المرتبة 65 عالميًا (معدل الجريمة ~47.5) . أما تقرير Global Security لعام 2022 صنّف المغرب في المرتبة 74 عالميًا ضمن الدول الأكثر أمانًا، ورغم ذلك فهي مرتبة متأخرة ولا تبشر بخير .
7/ الطلاق:
تشير بيانات 2020 إلى أن نحو 50% من حالات الزواج انتهت بالطلاق. معدل الطلاق يقدّر بحوالي 1.8 حالة لكل 1000 شخص، وهو رقم مهول وخيف جدا.. ولقد أكد مكتب الإحصاء أن المعدل بقي مستقرًا عند 50% في عام 2023 .
8/ السجناء:
عدد المساجين في المغرب وصل إلى حوالي 102,653 سجينًا حتى 31 ديسمبر 2023، بمعدل 267 سجينًا لكل 100,000 نسمة ، في 2022 كان العدد حوالي 97,000 وفق بيانات سابقة، وهذه أرقام تتجاوز المعدل المطلوب مما يجعلها أرقاما مرعبة للغاية.
9/ الهدر المدرسي:
العام الدراسي 2022–2023 شهد 294,458 تلميذًا تركوا الدراسة (58,819 ابتدائي – 156,998 متوسط – 78,641 ثانوي) . بمعدل متوسط للهدر المدرسي يقدر بنحو 14.3% في الإعدادية و7.2% في الثانوية لعام 2023، مما يعكس أزمة تعليمية عميقة، والتي أصبحت مع توالي العقود نمطا ثابتا في السياسة التعليمية المغربية..
10/ حرية التعبير وحقوق الإنسان:
صنف مؤشر حرية الأكاديميين لعام 2025 المغرب ضمن أدنى 40–50% من الدول عالميًا . المشهد العام لحرية التعبير وحقوق الإنسان يظهر تراجعات واضحة رغم اعداد الدولة أن هناك بعض التطور أو التقدم، وهذا ادعاء يكذبه الواقع.
11/ الديمقراطية:
مؤشر Legatum Prosperity وضع المغرب في مرتبة 89 في الحكم و114 في الحرية الشخصية (2023) . أما التقرير الإفريقي (Mo Ibrahim–الحكامة) أشار إلى تراجع ملحوظ في الأمن والديمقراطية في إفريقيا، لكن المغرب تحسن نسبيًا مقارنة بغيره .
هذه بعض المعطيات التي أعرضها في عجالة وباختصار كي نضع ظاهرة طوطو في سياق الوضع الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي للمغرب، كي لا نستغرب!!
نموذج “طوطو” (ElGrande Toto) يُعد مثالًا معاصرًا حيًّا على ما يمكن تسميته بـ**”التفاهة المُؤمّمة”**، أي الشخصيات التي تُمنح صفة النجومية والدعم الرسمي رغم (أو بسبب) انحدار المضمون، لا قيمته.
في الزمن المغربي المعاصر، والمشار إلى مؤشراته وأرقامه أعلاه، صعد نجم هذا «المغني» الذي أصبح يُعرف بـ**”طوطو”**، وهذه النجومية ليست بفضل موهبة فنية استثنائية، ولا بسبب مضمون رسالي أو اجتماعي هادف، بل بفعل خليط من الإثارة، اللغة السوقية، التمرد المصطنع، والدعم غير المسبوق من المنظومة الرسمية نفسها.
فقد ظهر “طوطو” في منصات رسمية، وبرامج عمومية، ومهرجانات مموّلة من الدولة، رغم تصريحاته المثيرة للجدل، وتعابيره الفجّة، وترويج صورته كـ”بطل شبابي حرّ” يشرب المخدر ويحمل قنينة خمر على المنصة، ويتحدث بلغة ساقطة وبدون قيود.
اللافت أن هذه النجومية المصنّعة لم تكن عفوية، بل جاءت في سياق تراجع رموز الفكر والفن الحقيقي، وفي ظل حصار متعمد لأصوات الوعي والنقد والمقاومة. فصار طوطو، وغيره من رموز “الراب السوقي”، أدوات لإعادة تشكيل النموذج القدوة لدى الشباب:
إنه التحول من “جيل المهدي المنجرة” إلى “جيل طوطو”، ومن جامعة فاس إلى منصة موازين، حيث تُستبدل الفكرة بالصورة، والرسالة بالإيقاع، والموقف بالصراخ المنفلت، أي من المثقف الملتزم إلى المستعرض الفارغ. وهكذا يُصبح “طوطو” مجرد واجهة، لكنه واجهة مختارة بعناية من طرف دولة لا تريد ثورة علمية أو تعليمية أو صناعية ، بل فرجة وتفاهة وسقوطا أخلاقيا.
عبر التاريخ، حين تُترك القيم، ويتم التمكين لصعود التفاهة، وتُصنع من الشخصيات الفارغة رموزًا للمرحلة، وتصبح معايير الجمال والصوت والحضور أهم من الفكر والموقف، بل وتُوظف التفاهة أحيانًا لإخفاء جرائم الاستبداد، فيصبح الراقص نجمًا، والمناضل خائنًا، والمفكر خصمًا للوطن، فإن ذلك يعبر عن دولة لا تُخشى فيها كلمات النشاز والتافهة، بقدر ما يُخشى فيها كلام العقول المخلصة والجادة.
النهضة لا تولد من مسرح التفاهة، بل من محراب الفكر.. وفي زمن طوطو، لا يولد إلا جيل يرقص فوق الرماد.

إرسال التعليق