الوهم القاتل: استمرار التيارات الجهادية بين تحولات الشرق الأوسط وعجز السياسات الإقليمية والدولية.

آخر الأخبار

الوهم القاتل: استمرار التيارات الجهادية بين تحولات الشرق الأوسط وعجز السياسات الإقليمية والدولية.

رصد المغرب/الحيداوي عبد الفتاح 

رغم ما ساد من اعتقاد بأن التيارات الجهادية قد دخلت مرحلة الأفول عقب مقتل أسامة بن لادن في مايو 2011، إلا أن نظرة فاحصة إلى معطيات الواقع الإقليمي والدولي تفضي إلى نتيجة مغايرة. ففكرة نهاية الجهادية كانت أقرب إلى الأمنيات منها إلى التوصيف الموضوعي الدقيق. فالتحولات السياسية والاجتماعية والأمنية التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير لم تتجه نحو إضعاف هذه التيارات، بل على العكس، ساهمت في تعزيز حضورها وإعادة إنتاج خطابها بوسائل جديدة.

لقد شكلت بيئة ما بعد “الربيع العربي” أرضية خصبة لعودة الخطاب الجهادي إلى الساحة العامة، مستفيدا من حالة السيولة السياسية والانفلات الأمني اللذين عرفتهما دول عدة مثل سوريا، اليمن، وليبيا. فالحريات النسبية التي رافقت الثورات وفرت فضاءات للدعوة والتعبئة ونشر الأفكار الجهادية ، في حين أن فشل هذه الثورات في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي خلق بيئات يأس وإحباط، غذت بشكل مباشر الشعور بالحاجة إلى بدائل راديكالية.

الثورة السورية تحديدًا، ومع تحولها السريع نحو العمل المسلح، مثلت نقطة ارتكاز جديدة للجماعات الجهادية العابرة للحدود. فبعد سقوط “الإمارة الإسلامية” في أفغانستان، وخفوت بؤر القتال الأخرى في العراق والشيشان وغيرها، كانت سوريا بمثابة “مختبر ميداني” مفتوح لتجريب التكتيكات، تدريب المجندين، وصناعة تحالفات جديدة بين الفصائل الجهادية. وهو ما أعطى زخما متجددا للحركات الجهادية التي وجدت نفسها من جديد في قلب معركة طاحنة.”.

في هذا السياق، تُعد السياسات العربية والدولية جزءاً رئيسياً من المشكلة، لا من الحل. إذ أن المقاربات الأمنية التقليدية، التي تركز على المواجهة العسكرية والاستخباراتية دون معالجة الأسباب الجذرية للتطرف مثل الاستبداد، الفساد، غياب العدالة الاجتماعية، وقمع الحريات، قد ساهمت في إعادة إنتاج البيئة ذاتها التي تتغذى منها الحركات الجهادية. بل إن بعض الأنظمة العربية استخدمت التهديد الجهادي شماعة لتبرير استمرار القبضة الأمنية وكبح التحولات الديمقراطية، مما زاد في تعقيد المشهد..

أما القضية الفلسطينية، فهي لا تزال بمثابة “الجرح المفتوح” الذي يغذي النزعة الجهادية في الوجدان الإسلامي والعربي. فمع كل تصعيد في الأراضي الفلسطينية، تجد الحركات الجهادية في هذه القضية مادة تعبئة جماهيرية جاهزة، تستنهض بها مشاعر الغضب، وتبرر بها مشاريعها المسلحة. إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وانسداد أفق الحل السياسي، ومظاهر اللامبالاة الدولية حيال معاناة الشعب الفلسطيني، كل ذلك يعيد ضخ الحياة في الخطاب الجهادي، الذي يستثمر في هذه المظالم لتوسيع قاعدته الاجتماعية وإضفاء شرعية دينية على تحركاته.

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الرهان على “موت” التيارات الجهادية رهان خاسر طالما بقيت المظالم قائمة، والسياسات القائمة عاجزة عن استيعاب المتغيرات الحقيقية في المجتمعات العربية والإسلامية. فالجهادية كفكرة لا تزول بمقتل قياداتها أو بخسارة معركة هنا أو هناك، بل تتغذى من واقع مضطرب، ومن قضايا لم تجد حلولاً عادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لذلك، فإن أي استراتيجية فعالة لمواجهة هذا التحدي يجب أن تنطلق من معالجة سياسية شاملة وعميقة، تتجاوز الحلول الأمنية السطحية، وتسعى إلى بناء أنظمة شرعية، عادلة، وديمقراطية في العالم العربي.

إرسال التعليق