
بين جفاف الأرض وجفاف القرار: حكومة أخنوش تفشل في حماية السوق الداخلي
رصد المغرب / عبد الحميد الإدريسي
في مشهد يلخص مأساة التخطيط الفلاحي المغربي، تدفقت شحنات البصل الإسباني إلى أسواق المملكة، لتباع في سوق الجملة بالدار البيضاء بـ7 دراهم للكيلوغرام، فيما ظل البصل المحلي الجاف يعرض بـ11 درهما، ويصل سعره في البيع بالتقسيط إلى 13 درهما.
هذا الفارق لم يكن رقما عابرا في معادلة السوق، بل تحول إلى عنوان كبير لسخط اجتماعي، وتجسيد صريح لأزمة أعمق تضرب القطاع الفلاحي المغربي ، لأنه رغم التطمينات الحكومية المتكررة، فإن الواقع يشي بعكس ذلك.
فهناك مصادر مهنية تشير إلى أن استمرار ارتفاع أسعار البصل المحلي يعود بالأساس إلى عاملين رئيسيين ، هما الجفاف المتفاقم نتيجة الندرة المائية، وارتفاع وتيرة التصدير نحو الأسواق الإفريقية كدولتي السنغال وموريتانيا، هذا هو ما أفرغ السوق الداخلية من هذه المادة الحيوية.
وهناك البيانات الرسمية التي تفيد بأن المغرب صدر البصل إلى 31 دولة خلال سنة 2024، محققا قفزة نوعية في حجم الشحنات نحو الإمارات، حيث ارتفع الحجم بأكثر من عشرة أضعاف مقارنة بإجمالي السنوات السابقة.
والمثير للدهشة أن المملكة أصبحت واحدة من بين أكبر ثمانية موردين رئيسيين للإمارات، في وقت كان المواطن المغربي يبحث عن كيلوغرام من البصل بسعر معقول. فكيف نفسر إذن هذا التناقض الصارخ؟ وكيف تجرأ المخطط الأخضر الذي تم الترويج له منذ سنوات كمنقذ للاقتصاد القروي على ترك الفلاح والمستهلك المغربيين في مواجهة الأزمة؟
حين أطلق المغرب مخططه الأخضر، كانت الوعود براقة ، كرفع الإنتاجية، و تأمين السوق الوطني، وتصدير الفائض ، ولكن الواقع أبان عن منطق آخر؛ منطق يقوم على التصدير أولا، والمواطن أخيرا.
فالاختلالات البنيوية في إدارة الموارد المائية، والاعتماد المفرط على الزراعات الموجهة للتصدير، وخاصة في ظل تغيرات مناخية قاسية، كشفت عن ضعف بنية المخطط وقدرته على التكيف مع الطوارئ ، فما يحدث اليوم ليس فقط أزمة بصل، بل فشل بنيوي في تحقيق الأمن الغذائي الوطني.لأن المغرب، رغم ثرواته الفلاحية، يستورد البصل ويصدر الأزمة.
فالفلاح يعاني، والمستهلك يئن، والمخطط الأخضر يواصل السير على درب نظري لا يثمر على الأرض سوى العطش وغلاء الأسعار. فما يحتاجه المغرب اليوم ليس مجرد تحديث لغوي لمخطط أخضر بدأ يتلاشى لونه، بل إعادة صياغة جذرية لعلاقة الدولة بالقطاع الفلاحي.
فلا أمن غذائي بدون استقرار أسعار المواد الأساسية، ولا استقرار دون سياسات مائية متكاملة، ولا جدوى من مخططات فلاحية تطرب بها العواصم الخارجية بينما الأسواق المحلية تعيش أزمات موسمية باتت مزمنة.
إن قضية البصل ليست نكتة موسمية، بل جرس إنذار.فقد ٥آن الأوان لتتحول هذه النكسة إلى لحظة مراجعة شاملة تعيد للمواطن المغربي ثقته في سياسات بلده، وتضع الفلاحة في قلب السيادة الوطنية، لا في هامش أولويات التصدير.
إرسال التعليق