بين دافع العيش الكريم ودافع النصرة: مقاربة شاملة لظاهرتي الهجرة غير النظامية والهجرة إلى بؤر التوتر
بين دافع العيش الكريم ودافع النصرة: مقاربة شاملة لظاهرتي الهجرة غير النظامية والهجرة إلى بؤر التوتر
رصد المغرب/ياسين امغان فاعل حقوقي
تعد الهجرة – بمختلف أشكالها – مرآة تعكس التحولات العميقة التي يشهدها العالم على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وبينما تُعَرَّف الهجرة غير النظامية بأنها انتقال الأفراد عبر طرق مخالفة للقوانين المعمول بها في دول العبور أو الوصول، فإن الهجرة إلى بؤر التوتر ترتبط بالتوجه نحو مناطق تعرف نزاعات مسلحة، أو اضطرابات أمنية، أو مواجهات مفتوحة.
ورغم الاختلاف الكبير بين الظاهرتين، إلا أن بينهما جوانب إنسانية مشتركة وأخرى تميز كل مسار عن الآخر.
- نقاط التشابه
رغم التباعد الظاهر بين الهجرة غير النظامية والهجرة إلى بؤر التوتر، فإن هناك عناصر إنسانية وسياقات مشتركة تتقاطع فيها الظاهرتان، بعيدا عن التفسيرات المبسطة التي تربط كل الظواهر بالدوافع الاقتصادية فقط.
- وجود دافع داخلي قوي يدفع الفرد لاتخاذ قرار خطير
في الحالتين، يتخذ الفرد قرارا يتجاوز المألوف، ويقفز نحو مسار غير آمن.
المهاجر غير النظامي قد يدفعه إحساس باليأس، أو انسداد فرص العيش الكريم.
والمهاجر إلى بؤر التوتر قد تحركه قناعات دينية أو فكرية، أو مشاعر ظلم، أو رغبة في الانتماء، أو البحث عن دور ومعنى.
ورغم اختلاف طبيعة هذا الدافع، إلا أن المشترك هو قوة الشعور الذي يغير مصير الإنسان ويدفعه نحو المخاطرة
- الاعتماد على طرق ومسارات غير قانونية
كلا المسارين يمران عبر قنوات غير رسمية:
مهربوا البشر في حالة الهجرة غير النظامية، ومسالك سرية أو وسطاء في حالة السفر إلى بؤر التوتر.
هذا يضع الأفراد في مواجهة مباشرة مع خطر الاستغلال المالي والجسدي والابتزاز.
- المخاطر العالية المهدِّدة للحياة
الخطر عنصر مشترك، وإن اختلف مصدره
في الهجرة غير النظامية: الغرق، الجوع، الحدود، الاعتقال.
في الهجرة إلى بؤر التوتر: القصف، الاشتباكات، التجنيد القسري، الاختفاء.
في النهاية، كلا المسارين يعرض حياة الفرد للخطر المباشر.
- فقدان الحماية القانونية والهشاشة الإنسانية
كلا الطرفين يجد نفسه خارج الأطر القانونية الطبيعية:
المهاجر غير النظامي بلا وثائق ولا حماية.
والمهاجر إلى بؤر التوتر قد يعامل كمشتبه فيه أو كطرف أمني حتى لو لم يكن منخرطا في أي عمل مسلح.
في الحالتين، تكون الحقوق معرضة للانتهاك، والحماية الإنسانية ضعيفة.
نقاط الاختلاف
ورغم العناصر المشتركة، تبقى الاختلافات بين الهجرتين جوهرية، لأن السياق والهدف والمآلات مختلفة تماما.
- طبيعة الدافع الأساسي
الهجرة غير النظامية تبنى عادة على البحث عن فرص اقتصادية أفضل، أو الهروب من الفقر والبطالة، أو الرغبة في حياة مستقرة.
الهجرة إلى بؤر التوتر ترتبط في كثير من الحالات بدوافع دينية أو فكرية، نفسية، سياسية، أو شعورية، ولا علاقة لها بتحسين الوضع الاقتصادي، بل قد يقدم عليها أشخاص يعيشون ظروفا جيدة نسبيا.
- النظرة القانونية والأمنية للدو
المهاجر غير النظامي ينظر إليه في الغالب كقضية هجرة تستوجب التدبير.
أما الذاهب إلى بؤر التوتر، فتتم معاملته في إطار ملف أمني حساس مرتبط غالبا بمخاطر الجماعات المسلحة، وهو ما يجعل التعامل معه أكثر صرامة وتعقيدا.
- مآلات كل مسار
المهاجر غير النظامي قد ينجح في الاستقرار، أو يعاد إلى بلده، أو يظل في وضعية مؤقتة.
بينما المهاجر إلى بؤر التوتر غالبا ما يواجه بالاعتقال، أو الاحتجاز في مخيمات، أو الملاحقة القانونية، أو حتى الموت.
- انعكاس الظاهرة على العائلة والمجتمع
الهجرة غير النظامية ترى كقضية اجتماعية واقتصادية.
أما الهجرة إلى بؤر التوتر فترتبط بحمولات سياسية وأمنية تجعل الأسر تعيش ضغطا نفسيا مضاعفا، مع خوف دائم من المجهول، ووصمة اجتماعية قد تطال العائلة.
وفي الأخير أقول
رغم أن الهجرة غير النظامية والهجرة إلى بؤر التوتر تبدوان وكأنهما مساران لا يجمع بينهما شيء، إلا أن الإنسان قد يدفعه شعور داخلي قوي لاتخاذ قرارات خطرة في الحالتين.. لكن الفرق الجوهري أن الأولى تعد محاولة للهروب نحو حياة أفضل، بينما الثانية غالبا ما تكون انخراطا في سياقات أخرى ذات تبعات معقدة.
إن معالجة هاتين الظاهرتين تتطلب رؤية شمولية تتجاوز الحلول الأمنية، وتراعي البعد الإنساني والاجتماعي والديني والنفسي، ويمكن تلخيصها في المحاور التالية:
- تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
خلق فرص شغل حقيقية للشباب.
دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
توفير برامج للتكوين المهني.
تقليص الفوارق الاجتماعية وتحسين الخدمات الأساسية.
- تقوية الوعي المجتمعي وتوضيح المآلات الواقعية
تنظيم حملات توعوية تشرح للشباب المآلات النفسية والاجتماعية والعائلية للهجرة إلى بؤر التوتر، وما تخلفه من آثار طويلة المدى على الفرد وأسرته.
تقديم شهادات ودراسات ميدانية توضح حقيقة الأوضاع داخل مناطق النزاع بعيدا عن الصورة المتخيلة.
توعية الشباب بمخاطر الهجرة غير النظامية ومسارات التهريب وما يرافقها من استغلال وانتهاكات.
إشراك الفاعلين التربويين والدينيين والاجتماعيين في بناء خطاب واقعي يسلط الضوء على تبعات القرارات الاندفاعية دون إصدار أحكام على الدوافع الشخصية.
- دعم الأسر وتأطير الشباب نفسيا
توفير مراكز استماع ومواكبة نفسية للشباب.
مساعدة العائلات على التعامل مع القرارات الاندفاعية أو حالات التأثر الفكري والعاطفي.
- مواجهة شبكات الاستغلال والتهريب والتجنيد
تفكيك شبكات تهريب البشر.
مراقبة الوسطاء الذين يسهلون السفر إلى مناطق التوتر.
توفير بدائل آمنة وواقعية للشباب.
- تعزيز برامج العودة وإعادة الإدماج
إدماج العائدين من التجارب الخطرة بطريقة تحفظ كرامتهم.
الحد من الوصمة الاجتماعية عبر خطاب داعم وغير إقصائي.
- تعزيز التعاون الدولي
تنسيق الجهود لمعالجة ملفات المهاجرين والمفقودين والمحتجزين.
دعم برامج التنمية في المناطق المصدرة للهجرة
تعليق واحد