تسريب بيانات حساسة من الضمان الاجتماعي: خلل تقني أم فشل في الحوكمة الرقمية؟
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
في حادثة تُعد من أخطر الانتهاكات السيبرانية التي عرفها المغرب، تعرضت قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لاختراق واسع النطاق، أدى إلى تسريب آلاف الوثائق الخاصة بمقاولات وأُجراء. الواقعة، التي يُرجَّح أن منفذيها ينتمون إلى مجموعة قرصنة جزائرية، فتحت أبواب الأسئلة حول مدى جاهزية البنية الرقمية المغربية لمواجهة الهجمات في العصر الرقمي.
و في مفارقة قاسية، أصبحت مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي أُنشئت لحماية حقوق المواطن، مصدرً لتسريب بياناته. فالمعلومات التي جمعت على مدار سنوات تحت شعار “التأمين الاجتماعي” أصبحت متاحة، بين ليلة وضحاها، على منصات سوداء تباع فيها البيانات كما تباع السلع ، لأن الوثائق المسربة شملت بيانات مالية، تقارير طبية، وثائق عمل، معلومات حساسة كان من المفترض أن تكون مؤمنة ضمن أعلى درجات الحماية. إلا أن التحقيقات الأولية كشفت عن “ثغرات هيكلية” في النظام المعلوماتي، وفشل في تنفيذ الحد الأدنى من بروتوكولات الأمن السيبراني.
و على مدى سنوات، تباهى المكلفون في الحكومة المغربية بمشاريع التحول الرقمي، وتحدثوا عن “المغرب الرقمي 2025″، و”تحديث الإدارة”، و”تقريب الخدمات من المواطن”. لكن هذه الشعارات تبدو اليوم محاصرة بأسئلة مؤلمة .
فأين صرفت الملايير التي رصدت لتأمين الأنظمة المعلوماتية؟ من صادق على الصفقات؟ ومن راقب التنفيذ؟ والأخطر من الاختراق، هو ما يكشفه من هشاشة في فهم الدولة لمفهوم الخصوصية.
ففي الوقت الذي ترتقي فيه الدول بحق المواطن في حماية بياناته إلى مستوى الحقوق الدستورية، يبدو أن المواطن المغربي لا يزال يُعامَل كرقم إداري قابل للتسريب عند أول هجوم.
الصمت الرسمي زاد الطين بلة،فلا بيان يوضح، ولا اعتراف يحاسب، ولا ضمان بعدم تكرار المأساة ، وكأننا في دولة تتعامل مع الحاضر بعقلية الأمس.
إن الحديث عن هوية المخترقين يعيد فتح ملف التوتر المغربي الجزائري، الذي لم يعد محصورا في السياسة والطاقة والحدود، بل بات يمتد إلى الفضاء الرقمي. فهل نحن أمام بداية لحرب باردة رقمية في شمال إفريقيا؟ وهل الدولة المغربية مستعدة فعلًا لهذا النوع من المواجهات؟
و الدرس الأكبر من هذه الحادثة هو أن الرقمنة لا تعني فقط توفر الأنظمة، بل تأمينها.و لا تعني فقط نشر التطبيقات، بل حمايتها. ولا تعني فقط “التفاخر بالتكنولوجيا”، بل بناء الثقة حولها.
فإن لم يفتح تحقيق شفاف، ولم يحاسب المقصرون، فسيبقى السؤال الأهم معلقا : ما الذي تبقى من هيبة الدولة حين تصبح أسرار المواطن سلعة تتداول في الخفاء؟
إرسال التعليق