
تفسيرات قرآنية لشحرور : ليلة القدر
رصد المغرب / الدكتور إدريس الكنبوري
على الرغم من أن محمد شحرور نفى منذ صدور كتابه الأول”الكتاب والقرآن” أن يكون عمله “تفسيرا جديدا” للقرآن، وأكد أن لا علاقة لما يقوم به بالتفسير، إلا أن عملية التفسير ظلت تتخل كل كتاباته من أول كتاب أصدره إلى آخر كتاب نشر له، مع التأكيد مرة أخرى على أن الغالبية العظمى من تلك الكتابات هي مجرد تكرار لبعضها البعض أحيانا، وتفصيل لمواقف تم التعبير عنه في الكتابات السابقة أحيانا أخرى. وفي جميع الحالات فإن عملية التفسير شكلت المهمة الأكبر في تلك الكتابات، خلافا لما أعلنه شحرور من البداية، لسبب بسيط، وهو أن أي “قراءة” للقرآن لا بد أن تتضمن بالضرورة انخراطا في التفسير بشكل أو بآخر.
وتتميز تفسيرات شحرور لبعض الآيات القرآنية، أو المفردات القرآنية، بكثير من الطرافة بسبب ابتعادها عن جميع المقاييس المنطقية واللغوية والسياقية التي تتدخل في عملية التفسير، سواء كان الأمر يتعلق بالنص القرآني أو أي نص آخر.
ففي محاولته تفسير قوله تعالى”إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر” يأتي بأفكار غاية في الغرابة والعجب. فالشهر في الآية لا يشير إلى الوحدة الزمنية المعروفة، بل هو مشتق من فعل “شهر يشهر شهرا وشهرة”، بمعنى الإشهار، كالإشهار التجاري، أو الإعلان التجاري. يقول شحرور:”وهكذا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه في ليلة القدر نزل القرآن إلى السماء الدنيا، أي أصبح قابلا لأن يُدرَك من قبل الناس التي تعيش الحياة الدنيا، واُشهر. وبما أنه في ليلة القدر تم إشهار القرآن فقد قال”ليلة القدر خير من ألف شهر. ولك أن تذهب بكلمة شهر إلى أنها من الشهرة والإشهار، لا الشهر الزمني، كقولك “الشهر العقاري”، وهي الدائرة التي يتم فيها الإشهار القانوني الملزم للبيع والشراء” .
ولكي يخرج من المأزق الذي يترتب على هذا التفسير، بحيث لا يصبح معنى العبارة”ألف شهر” يفيد الإشهار ألف مرة مثلا، يلجأ شحرور إلى طريقة أخرى وهي التلاعب بمعنى كلمة “ألف”، لكي لا تدل على العدد، بل على عملية التأليف أو الجمع. يقول:”ولا يلزمك أن تفهم الألف على أنها عدد، بل جاءت من فعل ألف وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض بشكل منسجم، ومنه جاءت الألفة والتأليف، أي أن إشهار القرآن خير من كل الإشهارات الأخرى مؤلفة كلها بعضها مع بعض” .
فشحرور هنا لم يتعسف فحسب على جميع الأدبيات المعروفة في علم التفسير، حتى أبسطها، بل تعسف على العقل والمنطق أيضا، وربما نضيف أنه تعسف على القارئ بالسخرية منه والتحقير من مستواه المعرفي. فكيف يستقيم معنى الآية الذي يريده، وهو: الله سبحانه أنزل القرآن في ليلة القدر فقام بإشهاره أحسن من جميع الإشهارات الأخرى مجتمعة؟ ما المقصود بالإشهارات الأخرى؟ ما هي الأمور الأخرى التي أشهرها الله سبحانه فجاء إشهار القرآن ليكون أكثر منها من حيث الأهمية الإشهارية؟ وكيف نفهم أن ليلة القدر خير من جميع الإشهارات مجتمعة؟ ثم إن شحرورا يقول إن”إشهار القرآن خير من كل الإشهارات الأخرى مؤلفة”، بينما لو تتبعنا الآية لوجدنا أن المقصود ليس القرآن بل ليلة القدر؟؟؟؟.
ولن نضيع جهودنا لكي نشرح للقارئ ماذا تعني الآية، فهي من الآيات التي يحفظها الجميع في العالم الإسلامي حتى الأطفال في صدور أمهاتهم، ولكننا أردنا فقط الوقوف عند نموذج من النماذج السخيفة في التعسف على المعاني القرآنية عند هذه المدرسة المسماة مدرسة”القراءة الجديدة للقرآنية” من خلال مثال محمد شحرور، الذي يعد في الحقيقة أكثر النماذج المنحطة في هذه المدرسة منذ ظهورها وإلى أن تقوم الساعة. وهذا ما يعزز ما أشرنا إليه عشرات المرات في متن هذه الدراسة، وهو أن محمد شحرور لا يفقه في أي علم من العلوم، ربما ما عدا تخصص الهندسة الذي حصل فيه على دبلوم من موسكو.
ولا يتوقف شحرور عند هذا التفسير الغريب لكلمتي “ألف شهر”، بل يقدم تفسيرا غريبا أيضا لكلمة “ليلة”،حيث يتساءل:”لنأخذ الآ، مفهوم ليلة، فهل هي من الليل؟ فإذا كانت ليلة القدر تعني الليل، فالسؤال في أي ليل هو؟ هل هو ليل مكة أم ليل لوس أنجلوس وكلاهما على الكرة الأرضية؟ حيث يوجد في الكرة الأرضية بشكل مستمر ليل ونهار معا وعلى هذا لا يستقيم المعنى. أما إذا فهمنا الليل على أنه الظلام كقوله تعالى “الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور”، وقوله”والفجر وليال عشر” فهذا يعني أن اللوح المحفوظ والإمام المبين لا يخضعان لمفهوم الليل والنهار ولكن بما أن الظلام في الوجود سبق النور حيث أنه بعد الانفجار الكوني الأول مرت المادة بعدة مراحل للتطور حتى أصبحت شفافية للضوء وظهور النور” . ففي هذه الفقرة نلاحظ التخبط واضحا، إذ الكاتب ينتقل من الليل إلى الظلام إلى النور والانفجار الكوني بطريقة فيها الكثير من التعمية من دون أن يخرج القارئ منها بأي معنى، هذا علاوة على الطريقة السخيفة في التساؤل هما إن كان المقصود ليل مكة أم لوس أنجلوس وأن كليهما في الكرة الأرضية!!.
العجيب أن محمد شحرور الذي يعلن في كل مرة أنه يتبع المنهج اللغوي، وأنه ضد الترادف، يكشف في كل مرة عن جهله التام باللغة العربية، وبالأخص لغة القرآن الكريم. فقد أراد أن يجعل الظلام هنا يقوم مقام الليل في الآية، ولم يفهم الفرق بين الإثنين في الأسلوب القرآني. فالليل في القرآن يقابل النهار، وهو وقت الراحة والخلود إلى النوم ووقت العبادة كما تشير الآيات القرآنية مثل قوله تعالى:”هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه”، وقوله:”إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا”، وغيرهما من الآيات. أما الظلام فيقابله النور، وهي لا يشير إلى وقت السكون والنوم ولكن إلى ظاهرة كونية تدل أحيانا على العدم، وعلى ما قبل خلق السماوات والأرض، كما في قوله تعالى:”الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور”؛ وتدل على حالة الكفر التي هي بالنسبة للإنسان بمثابة العدم، كما يدل على ذلك قوله تعالى:”الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور”.
إرسال التعليق