جسر “Huajiang Grand Canyon”… حين تتجسد الإرادة في شكل هندسي يربط بين الأرض والسماء

جسر “Huajiang Grand Canyon”… حين تتجسد الإرادة في شكل هندسي يربط بين الأرض والسماء
رصد المغرب/علي تستاوت خبير في الهندسة المدنية
ليست الجسور مجرد منشآت تربط بين ضفتين، بل هي إعلان صامت عن انتصار الإنسان على الجغرافيا، وتجسيد لإرادة التنمية التي لا تعرف المستحيل. هذا المعنى تجسده الصين من جديد عبر افتتاح جسر “Huajiang Grand Canyon” في مقاطعة قويتشو جنوب غرب البلاد، الذي تم تدشينه رسميًا في 28 سبتمبر 2025، ليُسجَّل كأعلى جسر في العالم بارتفاع يبلغ 625 مترًا فوق نهر بيبان، وبطول إجمالي يقارب 2890 مترًا، مع فتحة رئيسية تمتد على 1420 مترًا.
الإنجاز الصيني لا يُقاس بالأرقام فقط، بل بالفلسفة التي تقف خلفها. فالصين، من خلال هذا المشروع، لا تسعى إلى الإبهار المعماري فحسب، بل إلى تأكيد مبدأ أساسي في سياستها التنموية: أن لا تنمية متوازنة دون ربط المناطق الجبلية النائية بمراكز النشاط الاقتصادي. فكل متر من هذا الجسر يعيد رسم العلاقة بين الإنسان والمجال، ويحوّل التضاريس الصعبة إلى فضاء جديد للحياة والفرص.
يمتد الجسر فوق وادٍ عميق ظل لسنوات طويلة حاجزًا أمام التنمية المحلية، لكن الرؤية الصينية حولت هذا الحاجز إلى معبر، والعزلة إلى تواصل. إنها رؤية حضارية ترى في الهندسة وسيلة لصياغة مستقبل الإنسان، لا مجرد أداة للإنشاء. فحين تتحول البنية التحتية إلى رسالة تنموية، يصبح كل مشروع جسرًا بين الواقع والطموح.
من الناحية التقنية، يمثل “Huajiang Grand Canyon Bridge” نقلة نوعية في مجال التصميم المعلق، بفضل المواد المركّبة عالية المقاومة وأنظمة التثبيت التي توازن بين المرونة والاستقرار في مواجهة الرياح والزلازل. لكن الأهم أن هذا المشروع يعكس تناغمًا فريدًا بين العقل الهندسي والرؤية الاستراتيجية، حيث تتحول البنية التحتية إلى قوة ناعمة تسهم في إعادة توزيع التنمية على المستوى الوطني.
كل جسر في الصين اليوم يروي قصة إرادة أكثر مما يروي قصة تصميم. فالمسافة بين قمم الجبال التي يعبرها “Huajiang Grand Canyon” ليست مجرد مسافة مادية، بل هي رمز للمسار الذي تقطعه الشعوب حين تضع التنمية في قلب سياساتها العمومية. إنها فلسفة هندسية واقتصادية في آن واحد، تُظهر كيف يمكن للمادة أن تخدم الفكرة، وللفكرة أن تصنع النموذج.
وفي السياق نفسه، يمكن للمملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أن تواصل ترسيخ مكانتها من خلال مشاريع بنية تحتية كبرى تعيد التوازن بين الجهات وتدعم العدالة المجالية. فالمغرب، بما حققه من إنجازات في مجالات الطرق السيارة والموانئ والسكك الحديدية، أصبح يمتلك قاعدة هندسية ومؤسساتية مؤهلة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الربط الاستراتيجي بين الأقاليم الداخلية والمناطق الساحلية. إنها رؤية ملكية بعيدة المدى تجعل من الجسور رمزًا للربط بين الإنسان والتنمية، وبين طموح الدولة واستقرارها.
وكما تربط الصين الجبال بالسماء، يربط المغرب طموحه بمستقبله، في مسار واحد عنوانه: الهندسة في خدمة الإنسان، والإرادة في خدمة الوطن.
إرسال التعليق