
خريطة جديدة لتقسيم الشرق الأوسط ، هل ينهار النظام الإقليمي؟
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا تحليليا جديدا يثير الجدل، حيث عرضت خريطة مقترحة لتقسيم خمس دول رئيسية في الشرق الأوسط إلى أربع عشرة دويلة، في تصور يستند إلى تفكك داخلي وتوترات إثنية وطائفية تعصف بالمنطقة، خاصة في ظل التحولات السياسية والأمنية التي تشهدها.
المحلل السياسي روبرت رايت، صاحب المقترح، أشار إلى أن الشرق الأوسط الحديث ” والذي يعد محورا سياسيا واقتصاديا في النظام الدولي” يعيش حالة “يرثى لها”، معتبرا أن الانقسامات والنزاعات الداخلية قد تكون بداية لتفكك أكبر يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية بالكامل.
فسوريا دولة ممزقة بثلاثة أوجه ، فقد احتلت موقعا مركزيا في الخريطة الجديدة، حيث قسمت إلى ثلاث دويلات ، الأولى هي “الدولة العلوية” التي تسيطر على الساحل الغربي وتضم الأقلية العلوية التي حكمت البلاد لعقود ، و الثانية “كردستان السورية”، التي قد تنفصل لاحقا وتنضم إلى كردستان العراق ، و أما الثالثة فهي “الدولة السنية”، والتي يرجح أن تتحد مستقبلا مع مناطق سنية في العراق.
فسياسيا كل ذلك سيعكس واقعا فعليا تقريبا، حيث تسيطر قوى مختلفة (النظام، الأكراد، المعارضة) على أجزاء من البلاد ، ويؤثر اجتماعيا ، حيث الانقسام العرقي والطائفي (علويين، سنة، أكراد) يجعل التعايش صعبا، لكن الانفصال الكامل يعني اقتلاع جماعات من جذورها.
وهناك السعودية مقسمة إلى خمس دويلات وانكشاف داخلي ، وهي الدولة الثانية المرشحة للتقسيم، حيث اقترح التقرير تفكيكها إلى خمس كيانات ، “وهابستان” في الوسط، و دويلة غربية تشمل مكة والمدينة وجدة، و أخرى جنوبية، و دويلة في الشمال، وأخرى شرقية تضم الدمام والمناطق الغنية بالنفط ، ورجح التقرير أن أجزاء من اليمن قد تنضم إلى السعودية لمنحها منفذا على بحر العرب، مما يقلل اعتمادها على مضيق هرمز.
سياسيا سيكون الوضح صعب جدا، لكنه يعكس تخوفات الغرب من عدم استقرار داخلي مستقبلي بسبب انتقال الحكم وتنوع المناطق ، وحيث أن المجتمع السعودي يملك تماسكا قبليا رغم التفاوت الطائفي (خصوصا في الشرق)، والانقسام قد يشعل صراعات على الأماكن المقدسة والثروة النفطية ، رغم أن التقرير أشار إلى أن السعودية ستواجه تحديات داخلية، أبرزها الانقسامات القبلية، وهو ما ينتح عن التوتر بين السنة والشيعة، والأعباء الاقتصادية المتزايدة، والتي قد تتفاقم مع انتقال السلطة إلى الجيل الجديد من الأمراء.
و ليبيا التي ستنقسم إلى ثلاث دويلات محتملة ، فهي التي تعاني من فوضى سياسية وأمنية منذ سقوط نظام القذافي، حيث قسمت إلى دويلتين ، “طرابلس” في الغرب و”برقة” في الشرق، مع احتمال تشكل دويلة ثالثة في الجنوب الغربي تعرف بـ”فزان”، نتيجة النزاعات القبلية والانقسامات الإقليمية العميقة.
وهذا الانقسام قائم فعليا بين الشرق والغرب، مع وجود فزان كمنطقة ثالثة مهمّشة ، إلا أن القبلية والانقسامات الإقليمية ستعمق من هذا السيناريو.
وأيضا العراق التي ستنقسم بسبب التقاطع الإثني والطائفي ، فقد جاء في التقرير أن العراق قد ينقسم إلى ثلاث كيانات ، كردية في الشمال تتحد مع أكراد سوريا، و سنية في الوسط تتقاطع مع المناطق السنية السورية، وشيعية في الجنوب ، هذا السيناريو يبرز على خلفية التوترات الطائفية والسياسية التي أنهكت البلاد منذ سنوات.
هذا التقسيم يطرح منذ 2003، وأصبح أقرب للواقع من خلال الحكم الذاتي الكردي والتنازع السني-الشيعي ، حيث المزيج الطائفي معقد، لكن هناك إدراك شعبي واسع بمخاطر التقسيم رغم الانقسام السياسي.
وأخيرا اليمن حيث من المنتظر أن يكون انقسام بعد استفتاء محتمل، فوفقا للتقرير، فقد ينقسم إلى دويلتين في حال إجراء استفتاء في الجنوب على الاستقلال، وقد يدمج جنوب اليمن لاحقا بالمملكة العربية السعودية ضمن إعادة تشكيل جغرافية النفوذ .
إن انفصال الجنوب مطروح منذ عقود، والحرب زادت احتماله رغم أن الهوية الجنوبية قوية، لكن الفقر والتدخل الخارجي يجعل من الانقسام أداة وليس هدفا بحد ذاته .
و أيضا هذا التقرير رجح بقاء كل من الأردن ومصر وإسرائيل على حالها بثبات مشروط ، دون تغيير حدودها، لكنه لم يتطرق إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية، ما يعكس استمرار الضبابية حول مستقبل القضية الفلسطينية في ظل تلك التحولات الجذرية مما سيخلف انعكاسات استراتيجية عميقة .
ويرى رايت أن هذا التصور، وإن بدا متشائما ، فإنه يمثل “إعادة رسم استراتيجية للعبة”، بما يشمل التحالفات، والتحديات الأمنية، ومسارات الطاقة والتجارة التي تعتمد عليها دول كبرى حول العالم ، واعتبر أن التفتت القادم، إذا ما تحقق، سيكون الأشد مأساوية منذ تقسيم المنطقة بموجب اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916.
وفيما يثير التقرير تساؤلات حول مصير الكيانات الوطنية في المنطقة، فإنه يعكس كذلك قلقا غربيا متزايدا من تداعيات الانهيار الداخلي في دول الشرق الأوسط، ومدى تأثير ذلك على الأمن الإقليمي والدولي.
إرسال التعليق