
رضا بهلوي “أمير الظل” في معادلة إيران المتحولة
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
في خضم الغليان الإقليمي والتصعيد غير المسبوق بين إيران و”إسرائيل”، يبرز اسم رضا بهلوي مجددا كلاعب محتمل في معادلة إيران المقبلة، وسط تحولات سياسية وأمنية تعيد خلط الأوراق في طهران والمنطقة، فهل بات نجل الشاه السابق رقما صعبا في مستقبل الجمهورية الإسلامية؟ أم أن ماضيه وأعباء المنفى تجعله ظلا لحلم بعيد المنال؟
رضا كوريش علي بهلوي، الابن البكر للشاه محمد رضا بهلوي، ولد عام 1960 في طهران، لكنه لم يعرف إيران إلا من منفى طويل بدأ بعد سقوط نظام أبيه عام 1979، حيث منذ ذلك الحين، رسم بهلوي لنفسه مسارا معارضا، لكنه لم يتوقف عند حدود الرمز، بل انخرط في السنوات الأخيرة في جهود منظمة لتقديم نفسه بديلا ديمقراطيا لما يسميه “نظام ولاية الفقيه القمعي”.
يتكئ بهلوي على إرث العائلة المالكة التي حكمت إيران من 1925 إلى 1979، لكنه يدرك أن هذا الإرث ليس دائما كرصيد سياسي، إذ ما زال كثيرون يتذكرون حقبة الشاه باعتبارها فترة من السلطوية والاستبداد، لا سيما في ظل انقلاب 1953 المدعوم من المخابرات الأمريكية والبريطانية ضد حكومة محمد مصدق المنتخبة، وما تلاه من سنوات حكم مطلقة قوبلت بغضب شعبي عارم.
لكن رضا بهلوي اليوم يقدم نفسه بوجه مختلف، فهو رجل علماني ديمقراطي، لا يسعى لإحياء الملكية بل لبناء جمهورية مدنية حديثة، تقطع مع الحكم الديني والسياسات التوسعية، وتنفتح على السلام والتعاون مع الجوار، وحتى مع “إسرائيل”.
ورغم نشاطه السياسي المتزايد، يواجه بهلوي تحديات مركبة، أولها فقدان التنظيم الداخلي داخل إيران، حيث المعارضة الداخلية تعاني التشتت والرقابة الأمنية، بينما المعارضة في المهجر تعاني الانقسام وعدم القدرة على التوحد خلف شخصية واحدة.
وكذلك هناك تحركات بهلوي الخارجية، من لقاءاته بالزعماء الغربيين إلى زيارته المثيرة للجدل إلى “إسرائيل”، والتي تمنحه زخما دوليا، لكنه يخصم من رصيده لدى فئات واسعة من الشعب الإيراني، خصوصا أولئك الذين يتحسسون من أي تقارب مع إسرائيل أو يشعرون بالريبة من الدور الغربي في تغيير الأنظمة.
وفي رسالته الأخيرة التي بثها من قبل، وصف رضا بهلوي النظام الإيراني بأنه “ينزف ويسير نحو الانهيار”، واعتبر أن “انتفاضة شعبية واحدة كفيلة بإسقاطه”، حيث أكد أن “المستقبل مشرق”، مشيرا إلى خطة جاهزة لإدارة المرحلة الانتقالية تشمل حكومة وطنية لمدة 100 يوم بعد السقوط.
فبهلوي حرص أيضا على مخاطبة العسكريين الإيرانيين، داعيا إياهم للانشقاق عن النظام وعدم “التضحية بأنفسهم من أجل سلطة فاسدة”، في خطاب يعكس محاولة منه لتكرار سيناريوهات انقلابات ناعمة، أو انهيارات من الداخل، ولكن هل يملك فعلا قاعدة داخلية تتيح له قيادة مرحلة انتقالية؟، وهذا السؤال يبقى مفتوحا، خاصة أن خطابه لا يستند إلى تنظيم واضح أو قوة ميدانية داخل إيران، بل إلى رمزية تاريخية ورغبة في التغيير لدى قطاعات من الشعب.
وزيارته لتل أبيب في أبريل 2023 مثلت نقلة نوعية في مشواره السياسي، لكنها أيضا فجرت جدلا واسعا، حيث تستقبله وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية وتصور الزيارة على أنها “تاريخية”، يعني أن الرجل لا يخشى توجيه رسائل مباشرة إلى النظام في طهران، لكنه في الوقت نفسه يعرض نفسه لاتهامات بالتطبيع على حساب المصلحة الوطنية.
وهذا المشهد فسره كثيرون بأنه محاولة لتقديم رضا بهلوي كـ”وجه إيران الجديد” المقبول غربيا وإسرائيليا، مقابل وجه النظام الحالي الذي يصنف دوليا كداعم للإرهاب وراعي للمليشيات في الإقليم.
وفي مقابلاته الأخيرة، لم ينس بهلوي أن يطمئن الخليج أيضا، فربط مستقبل إيران بمصالحة مع دول الجوار، مشيرا إلى أن العلاقة قبل 1979 كانت أكثر استقرارا، و هذه التصريحات ليست عبثية، بل تعكس محاولة بناء تحالفات مبكرة، وربما استدراج دعم سياسي أو لوجستي للمرحلة المقبلة.
وهناك أيصا زوجته ياسمين بهلوي، المحامية والناشطة النسوية، تلعب دورا مؤثرا خلف الكواليس، حيث تقدم كصوت نسوي علماني تقدمي يدعم مشروع زوجها، بحيث عبرت في أكثر من مناسبة عن قناعة بأن “إيران الجديدة” لا يمكن أن تبنى إلا على أنقاض النظام الديني الذي يقمع النساء.
وفي ظل الفوضى السياسية والتحولات المتسارعة في الإقليم، يظل رضا بهلوي إسما يثير الاهتمام، ليس لأنه يملك مفاتيح اللعبة، بل لأنه يجسد مزيجا من الرمزية التاريخية والطموح السياسي، ويقف على خط تماس دقيق بين الداخل والخارج، بين الماضي والمستقبل.
ولكن هل سيتحول من “أمير الظل” إلى قائد مرحلة؟، أم يظل مجرد صوت في الخارج يراهن على لحظة لا تأتي؟، وذلك ما ستقرره الأحداث القادمة في شوارع طهران لا في مكاتب واشنطن أو تل أبيب.
إرسال التعليق