عائد من المشرحة (الحلقة الأولى)”شهادة من قلب التجربة الحقوقية المغربية”

آخر الأخبار

عائد من المشرحة (الحلقة الأولى)”شهادة من قلب التجربة الحقوقية المغربية”

رصد المغرب / أحمد الحو

كان العمل الذي تبنيناه نحن مجموعة من معتقلي مجموعتنا هو مشروع أرضية تأسيسية لإطار حقوقي كنا نريده إطارا ديمقراطيا مستقلا عن كل الحساسيات ويخضع لمبادئ القانون الدولي وهو عصارة تجربة جعلته مطلبا ملّحا، خصوصا أن الإطارات الحقوقية الموجودة لا تسمح بالانضمام إليها إلا من خلال تزكية بعض أعضائها،خاصة أن هذه الجمعيات كانت في غالبيتها أذْرُعا تابعة للأحزاب، بمختلف مشاربها، وهو ما يطرح دوما استقلالية الحقوقي عن الحزبي.وللتاريخ فان المنظمة الحقوقية الوحيدة التي قبلت انضمامي إليها بغير تزكية من أحد من أعضائها هي فرع منظمة العفو الدولية بالمغرب. أمام هذا الانسداد في الأفق الحقوقي، عملنا نحن قدماء المعتقلين على وضع أرضية تأسيسية لخلق إطار حقوقي يستجيب لمطارحات وخلاصات فكرية نابعة من تجربة الاعتقال.وكان الهاجس الأهم غداة التأسيس هوالتركيز على الاستقلالية والكونية والديمقراطية.وبالفعل في سنة2005تم عقد الجمع العام  التأسيسي بالدار البيضاء،بحضور صفوة من الأكاديميين ورجال القانون والعلوم من مختلف التخصصات والمعتقلين السياسيين سابقا، الذين يتقاسمون نفس المبادئ والتصورات حول آفاق حقوق الإنسان،حيث تمت المصادقة على الوثيقة التأسيسية والقانون الأساسي لجمعية حقوقية أسميناها جمعية منتدى الكرامة، فتم توزيع المهام على أعضاء المكتب التنفيذي بعد انتخابهم من طرف الجمع العام، وكان اختيار السيد عبد اللطيف الحاتمي رئيسا،مع وجود عدد من الشخصيات المستقلة، وحتى الأستاذ مصطفى الرّميد نائب الرئيس كان يعد بالتّخلي عن العمل السياسي والتفرغ للعمل الحقوقي الصّرف، مع وجود عدد من الشخصيات المستقلة في الأجهزة التقريرية مثل الحبيب الفرقاني ومحمد حقيقي ومصطفى كرين وخليل الإدريسي.إلاأنه ومع الأسف إلى حدود المؤتمر الثاني للجمعية، تم الاستيلاء على هذا الوليد الجديد وإلحاقه بعد ذلك ذرعا حقوقيا لحزب العدالة والتنمية، عبر إنزال مس كل أجهزتها وتبوّأ ذ. مصطفى الرميد رئاستها،وتكرّست بذلك الهيمنة الحزبية بالتخلص من مديرها التنفيذي ذ.محمد حقيقي أحد قدماء معتقلي مجموعتنا، لنعود إلى نقطة الصفر وهي السقوط في آفة العمل الحقوقي وقاصمة ظهره وهي الزواج الكاتوليكي بين الحقوقي والحزبي…

وبغض النظر عن كل ذلك،فإن شخصيات هامة ساهمت في هذا العمل كان من بينهم ذ.الرميد، وهو يعد من الأشخاص القلائل الذين تابعوا عن قريب قضيتنا، منذ كان خارج صيرورة حزب العدالة والتنمية، وكان حينها مدير تحرير جريدة )الصحوة(، يومئذ كانت منبرا للدعوة للإصلاحات السياسية على رأسها الإصلاح الدستوري، بما في ذلك الدعوة إلى ملكية برلمانية، وكانت )الصحوة(منبرا  لنشر بياناتنا والتعريف بمظلمتنا.وقد كان مكتبه بالدار البيضاء بحق مقرا عاما لتنظيم تحركات عائلاتنا، وكانت تشرف على ذلك كاتبته المرحومة جميلة بشر، وهي الكاتبة التي قامت زوبعة على عملها لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، دون أن تستفيد من التغطية التقاعدية، وهو أمر لا يمكن قبوله مهما كانت المعنية محل رعاية من طرف ذ.الرميد.

والحقيقة أن قصتي مع ذ.الرميد لم تنته عند تلك المساندة وذلك التأسيس، ولكن أيضا في إطار مؤازرته لأحد أفراد مجموعتنا الذي كان منفيا واعتقل في سنة 2007، ولم يكن أمد التقادم قد استوفى أجله القانوني. وكان ذ. الرميد قد طلب مني وبعض أفراد مجموعتنا أمرا غاية في الغرابة،هو أن ننتصب كشهود في القضية، على أن نشهد أن المعني لم يفعل شيئا مما قمنا به نحن. وقد حضرت لجلسات أخرى للقاضي المكلف بهذا الملف يوم تقديم شهادتي، ورأيت كيف استطاع بدهاء أن يحيل شهودا إلى متهمين مشاركين في الجريمة. ولما فتح ملف صاحبنا، تقدّمت وسألني: هل كان فلان حاضرا معكم في كتابة الشعارات وتعليق اللافتات؟ بالطبع كان النفي القاطع من جانبي، وسألني إن كنت أنا شخصيا قمت بتعليق اللافتات وكتابة الشعارات،فأجبت: نعم، فاستغرب من صراحتي وإقراري، فقلت له:إن هذه القضية قد طويت بالنسبة لي، ولا يمكن أن أُحاكم عليها مرتين، وقد حوكمت بالإعدام وقضيت أزيد من خمسة عشر سنة، وفوق ذلك اعْتبرت هيئة التحكيم المستقلة للتعويض وهيئة الإنصاف والمصالحة أنني اعتقلت في إطار خرق سافر للقانون، وبموجبه تم تعويضي، فانقلبت المحكمة بين همز ولمز بيني وبين القاضي، الذي كان يُصرُّ بدون أن أمكنه من ذلك على معرفة مبلغ الشيك الذي تلقيته، وبفضل هذه الشهادة تمت تبرئة صاحبنا وأطلق سراحه.

إرسال التعليق