قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي الحلقة الخامسة

قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي الحلقة الخامسة
رصد المغرب/ عبد اللطيف راكز
- جيش التحرير :اتهام الصحراويين بالمؤامرة .
لعل الجرح الذي خلفه جيش التحرير لدى الصحراويين في قلوبهم حيث اتهمهم بالخيانة ضد الملك وتدبير المؤامرة هو الذي اجج نار الإنتقام لدى الصحراويين منه ، وكذلك جعلهم يولون ظهورهم للمغرب . ويلتجئون للفرنسيين والإسبان للإحتماء بهم .ذلك أن الصحراويين من أمثال خطري ورفاقه كانوا يعقدون أملا كبيرا على جيش التحرير في الجنوب . وبالفعل في 6 يوليوز 1956 قام الجيش بأول عملياته في الصحراء المسمى ب ” أم العشائر” وبعدها عمليات أخرى أعقبتها “أم كالة” ،” محاميد الغزلان ” ،”اللويحات”، ” الزمول 1″، ” الزمول 2″ ثم عملية ” اطار ” في التراب الموريتاني المعروفة بعملية “ثكل”.
يقول محمد بن الشيخ بيد الله ، وهو من رﯕيبات أولاد الشيخ في تصريح لمجلة “زمان” : « احتضنت قبيلة الرﯕيبات جيش التحرير وكانت من بينها شخصيات كبيرة ضمن جيش التحرير ، ومن بينها خطري الجماني وحبوها لحبيب ومحمد ولد العريبي ، هذا الأخير صرف من جيبه على جيش التحرير مدة ستة اشهر ، بل أن أول عملية قادها جيش التحرير ، وهي أم العشائر كان أفرادها من الرﯕيبات ، وقبل ذلك كان أول وفد من الصحراء يقدم على السلطان ببيعته في مارس 1956 كله من الركيبات ، وكان من بينهم والدي (زمان” عدد أبريل 2015 ص 64 .ملف حول خطري وجيش التحرير أنجزه خالد الغالي) . لكن بعض القادة المغاربة الذين كانوا مسؤولين في قيادة هذا الجيش العسكرية كأوفقير والدليمي واللذان كانا في الواقع يبطنون العداء للملكية ، ويظهرون الوفاء لها ، أرادو الحيلولة دون انشغال الملك بالملف الصحراوي أنذاك واستكمال وحدته الترابية ، فأوشووا له بخيانة مبطنة للصحراويين ضده ، وعدم وفائهم له في خدمة القضية الصحراوية وفق الأجندا المغربية ، إلى جانب تقرير سلمته قيادة جيش التحرير أنذاك للملك محمد الخامس رحمه الله في نهاية عام 1959 يتحدث عن مؤامرة تقودها “جماعة من الرﯕيبات على رأسهم أبا الشيخ وخطري ولد سعيد وحبوها وأحمد سالك ولد حمان » بإيعاز من أطراف داخل العاصمة لإحداث انقلاب ” صحراوي ” داخل جيش التحرير بدعم من أطراف داخل العاصمة .
يقول ابراهيم الجماني حفيد خطري ولد سعيد ، والبرلماني عن حزب الاصالة والمعاصرة : ” أحس الصحراويون أن هناك شيئا ما يدبر في الخفاء ضد الملكية . كان هذا خطا أحمر بالنسبة لهم ، رغم أنهم مع اهداف جيش التحرير ، هذا هو سبب القطيعة بين جيش التحرير والصحراويين بصفة عامة ، وخطري بصفة خاصة ” ، ويؤكد بيد الله من جهته القول : ” انتصبت يد حديدية بين القصر وجيش التحرير ، وحدثت تجاوزات كبيرة ضد الصحراويين الذي كان يعتبرهم فريق من جيش التحرير مقربين ومؤيدين للملكية . كان الصحراويون يرون أمام أعينهم أن هناك مؤامرة ضد الملكية، بل ضد آل البيت ، وكلمة آل البيت كان لها وزنها لدى الصحراويين. حتى أنهم حين يتحدثون عن محمد الخامس يقولون ‘ ولد مولاي يوسف ‘ ولا يسمونه باسمه محمد احتراما له .” رغم ذلك يستطرد بيد الله “.فإن “خطري لم يكن حاضرا بقوة في المواجهات مع جيش التحرير بالشكل الذي كان به صحراويون آخرون كحبوها لحبيب ، وأبا الشيخ ولد با علي ، وعبد الله ولد الرويبح ، وإيدا ولد التامك ” .لكن مافتئ أن خاب ظنهم في هذا الجيش وأصبح التعايش بينهم صعبا أمام ما يحاك ضدهم من مؤامرات وسوء معاملة . وصار من اشد الأعداء لهذا الجيش خطري الذي صار إسمه على لائحة أعداء قيادة الجيش هذا وأصبح هدفا معرضا للإغتيال أو الإختطاف لهذا تنكر ذات يوم في زي امرأة صحراوية وركب ناقته وهو يحمل طفلا صغيرا وتسلل هاربا من كلميم قبيلته في الساقية الحمراء ، وأصبح بعد ذلك عدوا لهذا الجيش وعاد يقاتل ضده ويحيك المؤامرات ضد المغرب.
يقول مصطفى الناعمي الباحث في الشؤون الصحراوية :” أخرج خطري نسخة من القرآن وطلب من السالك ( هرب بدوره من جيش التحرير )أن يقسم على حفظ السر هنا، كشف لع علانية التوجه إلى بئر أم كرين ( أقصى شمال موريتانيا) للدخول في محادثات مع الفرنسيين ” قبض على أحمد السالك فيما نجح خطري في الوصول إلى هدفه في بئر أم كرين عرض خاطري على الضباط الفرنسيين التحالف للتخلص من جيش التحرير في الجنوب ، وطلب إمداده بالسلاح. كان هذا في النصف الثاني من شهر دجنبر 1957 . وفي 15 يناير 1958 ، وجه خطري رفقة عدد من شيوخ الرﯕيبات الرسالة الأتية إلى غوستان كوزان ، المفوض الفرنسي السامي في شؤون إفريقيا الغربية في دكار : ” (…) نطلب من سيادتكم (…) تدخلكم ضد جيش التحرير الذي يهاجمنا على أرضنا متسببا في خسائر البلاد والممتلكات والناس. هذا التدخل يتمثل أساسا في الدفاع عن أرضنا، التي تمتد من الخراويع إلى المحيط الأطلس ، ومن الساحل إلى أحرار سطون ، إلى كدية أدجيل ، إلى يئر أم كرين، إلى تندوف، إلى واد درعة . إنها البلاد التي تتوسل مساعدتكم من لأجل الدفاع عنها (…) والسلام كتب بامر من خطري الالمذكور أعلاه. في 24 جمادى الثانية 1977/15-01-1958.” كانت الفرصة ملائمة لفرنسا التي اعتبرت رسالة الركيبات وخطري تمثل نداء عاجل للتدخل وكسب الغطاء الأخلاقي لعملية ” ايكوفيون ” بالتعاون مع إسبانيا . وما كان يمر شهر حتى قضت على جيش التحرير بشكل نهائي . بعدها وجه خطري رسالة شكر ثانية إلى كوزان لتقديم شكره وتضامنه مع فرنسا ويذلك أدار ظهره خطري للمغرب. وتقر بعض الشهادات التاريخية إلى كون جيش التحرير يتصدر الصدارة عن أحمد السالك ابن القائد دحمان بن مبروك بوجود دور مفترض لكل من محمد أوفقير وأحمد الدليمي ، الضابطين في القوات المسلحة الملكية ، في الدفع بخطري إلى التوجه إلى بئر أم كرين عند الفرنسيين ، وأن رسالة خطري نفسها تسير في هذا الإتجاه إذ تؤكد لجوء خطري لفرنسا لم يكن اعتباطيا أو من تلقاء نفسه بل كان مقصودا يقول مصطفى الناعمي عنه . وفي شهر ماي 1958 كان خطري في مدينة ألاك الموريتانية لحضور المؤتمر التأسيسي لحزب التجمع الموريتاني بزعامة المختار ولد دادة ، المناهض لأي وحدة مع المغرب الذي كان يطالب حينها بضم موريتانيا. وخلال الاشهر المتبقة وطيلة 1959 قاد هجمات ضد القوات المسلحة الملكية المغربية ، ولكن ما الذي دفع خطري للدخول في مواجهة مفتوحة مع المغرب خلال هذه الفترة. يقول أولفيه فيرنيو ، أن خطري ولد سعيد قرر لحظتها أن :” يقطع جدريا مع الخيار المغربي ، مفضلا أن يراهن على مستقبل أرض أسلافه بمساعدة الخارج ضد المغرب .” ويضيف فيرنيو أن فرنسا كانت تنظر بعين الرضا إلى فكرة إنشاء كيان سياسي في المنطقة الشاسعة التي يمتد عليها نفوذ قبيلة الرﯕيبات ، وهو الطموح نفسه الذي كان يراود الزعيم الصحراوي. يؤكد محمد الشيخ بيد الله هذه الفكرة : ” كان هذا المشروع حاضرا لدى الفرنسيين .
بل بدأوا في الإعداد له فعلا ، فاستدعوا مجموعة من الشيوخ من تندوف، ثلاثة أو أربعة من بينهم عمى حبوها الحبيب ، ونقلوهم إلى باريس ، وعرضوا عليهم المشروع ، بيد أن هؤلاء رفضوا .” في نفس الإطار يؤكد بيد الله بان خطري لم يكن له علاقة بالمشروع، ولم يكن خطري في تاريخ تحالفاته السياسية وفيا لأي طرف سواء الفرنسي أو الإسباني ، بل كان وفيا لأي طرف يخدم مصلحة الجماعة التي يمثلها ” البيهات ومن ورائها الرﯕيبات ” . ولكن أكثر رهاناته كانت على الإسبان منذ فراره من جيش التحرير في دجنبر 1957 وحتى نونبر 1975 تاريخ التحاقه بالمغرب دون على اتفاق كلي معها في مواقفها من الصحراء ، بل كانت علاقته معها فيها نوع من الشد والجذب . ولعل ما يؤكد ذلك هو أنه حين أعلنت مدريد ” الصحراء الإسبانية ” مقاطعة إسبانيا في أبريل 1961 . ثم نظمت فيها أول انتخابات محلية،انتخب فيها خطري رئيسا لمجلس المقاطعة (cabido ) وعضوا في الكورنيش الإسباني عن مدينة العيون ، سرعان ما دخل عام 1965 في النصف الثاني من هذا العام في صراع مع الإسبان . حيث رفض في يونيو 1966 التوقيع على تصريح إسباني تعلن من خلاله القبائل الصحراوية تعلقها بإسبانيا، كانت تعتزم تقديمه للأمم المتحدة . وفي شتنير من عام 1967 قاطع حضري تأسيس ” الجماعة الصحراوية ” قبل أن يصبح في فبراير1971 رئيسا لها وعبرها صار من الأعيان القلائل الذين ربطوا علاقات سرية مع محمد ابراهيم بصيري مؤسس الحركة التحريرية في الصحراء قبل أن يختفي إلى الأبد إثر إنتفاضة ” الزملة ” في يونيو 1970 . لكن ما الذي جعل خطري يراهن على إسبانيا طيلة هذه الفترة ؟ يقول محمد الشيخ بيد الله أن ذلك يرجع :”أولا :إلى مخلفات فترة جيش التحرير ، ” الحكرة ” التي أحس بها شيوخ القبائل الصحراوية ، كما أن خطري لمس أن المغرب لم يعد يولي إهتماما كبيرا بالصحراء ، وحده علال الفاسي كان ما يزال متشبتا بموقفه القديم من الصحراء، فيما كان دور أغلب الفصائل السياسية متذبذبا . أتذكر ونحن شباب 1971 أننا كنا نزور قادة الأحزاب السياسية دون أن نلقى إهتماما من أحد ، أتذكر مثلا : أن محمد اليازغي من الإتحاد الوطني للقوات الشعبية كان أحد القادة القلائل الذين استقبلونا استقبالا حسنا ، وأبدوا موقفا مؤيدا لمغربية الصحراء “. ونفس الطرح يؤكده عبد الكريم غلاب القيادي في حزب الإستقلال والصحافي السابق ل “زمان” لم يكن الموقف المتجاهل لقضية الصحراء، مقتصرا فقط على أعدائنا، بل حتى من بعض أصدقائنا في الحركة الوطنية . في إحدى المرات رسموا كاريكاتير لعلال الفاسي على ظهر جمل تائه في الصحراء للسخرية من نداءاته المذكورة بخصوص الصحراء..وتشبث علال الفاسي وحزب الإستقلال بقضية الصحراء، كان أحد الأسباب التي دفعت القصر لإعادة التفكير في تعامله مع القضية .”
إنطلاقا من 1973 ظهر عنصر جديد في القضية الصحراوية يتمثل في ظهور فاعل جديد على الساحة السياسية في الصحراء ،سرعان ما شرع في سحب البساط من تحت أقدام ” الجماعة الصحراوية ”
يتعلق الأمر بظهور البوليساريو ، أي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب . إنه شباب صحراوي يحمل أفكارا ثورية ، ويرفع شعار طرد الإستعمار الإسباني .وقد كسب هذا الشباب شعبية كبيرة في الصحراء ، وقد عمد الإسبانيون إلى محاولة تدارك الموقف ،فدعمت تأسيس حزب الإتحاد الوطني الصحراوي في نهاية عام 1974 فكان الهدف من تأسيس “البونس” هو خلق حزب من الشباب مقرب من الإدارة الإسبانية ، إلا أن المحاولة باءت بالفشل ، حيث أن هذا الحزب قبل ماي 1975 سيقدم البيعة للملك الحسن الثاني والعرش ممثلا في شخص خليهم ولد الرشيد بالرباط.
وحين حلت بعثة الأمم المتحدة عام 1975 بمدينة العيون ، إتضح بما لا يدع مجالا للشك أن البوليساريو أصبح أكثر التنظيمات في الصحراء حضورا .وذلك ما جعل خطري والإسبان يقتنعون بضرورة فتح مفاوضات معها ، وحسب ما قاله أوليفيه فيرينيو نقلا عن صحيفة ABC الإسبانية ، فإن خطري توجه بنهاية ماي 1975 لتندوف ليعرض الولي مصطفى السيد ” وحدة لجميع الفصائل الصحراوية ” وقد نفت أسرة خطري هذا الكلام واستبعده محمد الشيخ بيد الله ، وعلى كل حال فإن خطري كان حاضرا في 12 أكتوبر 1975 بعين بن تيلي(قرية في أقصى شمال موريتانيا على الحدود مع الصحراء) خلال مؤتمر ” الوحدة الوطنية ” الذي نظمته البوليساريو من أجل استقطاب ” البونسي” وشيوخ ” الجماعة الصحراوية ” حسب فيرينيو مجددا كان موقف خطري ضد المغرب في هذه اللحظة متصلبا أكثر من أي وقت آخر بعد عودته من المؤتمر صرح قائلا : ” لن يبقى الصحراويون أبدا مكتوفي الأيدي أمام عدونا الوحيد : المغرب ”
وفي اليوم الموالي أعلن :” سنكافح حتى الموت من أجل إستقلالنا ، لقد طلبنا الأسلحة من إسبانيا حتى ندافع عن حدودنا “. ويرفض ابراهيم الجماني حفيد خطري هذا الطرح تماما قائلا : ” ذهب خطري إلى عين بن تيلي ينصح البوليساريو بالتريث ، وباستحالة تشكيل دولة ، فلا الظروف ولا الإمكانيات تسمح بذلك . موقفه هذا مستحيل ومصروف لدى المغرب والبوليساريو .”
وحين أعلنت إسبانيا في 20 غشت 1974 رغبتها في تنظيم استفتاء في الصحراء ، في الأشهر الأولى من سنة 1975 . تحت إشراف الأمم المتحدة ، أبدى خطري تأييده للمقترح. لم يكن أمامه على كل حال خيارا آخر ، فهو في الأخير رئيس “الجماعة الصحراوية ” التابعة رسميا لإسبانيا . أما الرد المغربي فكان طلب تحكيم محكمة العدل الدولية بلاهاي . ساعات قليلة بعد صدور الرأي الإستشاري للمحكمة ، أعلن المغرب في 16 أكتوبر 1975 تنظيم المسيرة الخضراء. وحدد انطلاقتها مع 6 نونبر 1975 . وحتى حدود 30 أكتوبر 1975 أي أسبوعا فقط من المسيرة الخضراء كان لا يزال خطري يراهن على الموقف الإسباني . ولعل خطري كان متقلبا جدا في موقفه من المغرب وعلاقته بالصحراء حيث يروي الناطق الرسمي باسم الامين العام للأمم المتحدة بين سنتي 1972 و 1975.
تفاصيل حدث غريب عاشه في نهاية 1975 ، في العاصمة الإسبانية مدريد . كان بطله خطري ولد سعيد جماني ، فبعد إعلان الملك الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء ، قاد هذا الناطق الرسمي جولة في المنطقة حملته إلى المغرب وموريتانيا وإسبانيا والجزائر ، حسب اندريه لوسين فإنه تلقى إتصالا من السفير الجزائري في مدريد ، نور الدين خلادي بعد العشاء قاده السفير الجزائري إلى قبو إقامته ، وجد المبعوث الرسمي الأممي نفسه أمام عدد من الشيوخ الصحراويين . يقول أندريه لوين :” فهمت بسرعة بانهم نواب صحراويون في البرلمان الإسباني ” الكورتيس ” الذي كان ينعقد في دورة حينها . أخذ النواب الكلمة واحدا تلو الآخر ، جذب انتباهي أحدهم بحدة نظرته ، وبنبل وقاره، وبالفخر المنبعث من كلمته ، أكدو لي جميعهم (على الاقل من الترجمة التي أعطيت ) ، رغبتهم في عدم البقاء مع إسبانيا وأمنيتهم أن يرووا الامم المتحدة تقود استفتاءا لتقرير المصير يمكن لشعبهم من ممارسة حقوقه والتعبير عن رايه بخصوص مستقبله.” استكمل المبعوث الأممي جولته، وإلتقى بعد أيام بالملك الحسن الثاني يقول لوين:” قبل أن يتركني ، طلب الملك من وزير الإعلام أن يقودني إلى قاعة أخرى من القصر حيث كان رئيس الجماعة ، يعقد مؤتمرا صحافيا بعد إلتحاقه المذهل بالمغرب (…) دخلت إلى القاعة الخاصة عن آخرها بالصحافيين من جميع انحاء العالم لتغطية المسيرة الخضراء، والإستماع إلى رئيس الجماعة خطري ولد سيدي سعيد ولد الجماني ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما إكتشفت أنه ذلك النائب الصحراوي في الكورتيس الإسباني الذي لفت انتباهي الاسبوع الماضي في ذلك اللقاء الغريب الذي حضرته في قبو السفارة الجزائرية في مدريد”. إذن نلاحظ انقلابا في الرؤية والتوجه في الملف الصحراوي من قبل خطري ولد سعيد الجماني مما طرح استفسارا في الموضوع وبعث على الغرابة . ولكن الحقيقة هي كون الحسن الثاني كان ذكيا ولا يمكن أن يفرط في صيد ثمين في ملف الصحراء يمكن أن يؤكد مغربيتها عبر إنتمائه لها ومعه صفوف من القبائل الصحراوية التي لها وزن في الشأن الصحراوي المغربي ، فقد كانت تجري بينه وبين خطري مفاوضات سرية يقول محمد الشيخ بيد الله أن خطري : ” كان في اتصال مع المغرب منذ وقت سابق بواسطة الرقيبي مولاي ابراهيم. وكان يفاوض المغرب سرا ،وكان بهذه التصريحات والمواقف يهادن الإسبان ، وفي المقابل يقوي موقفه أمام المغرب، خاصة أنه كان يريد التأكد من الإتصال بالقصر وليس اي جهة .خطري كان لا يتكلم إلا مع رجل يملك سلطة القرار وليس شخصا يلعب دورا ثانويا .”بدوره ابراهيم الجماني يعتبر أن تصريحات جده، خلال هده الفترة ضد المغرب وضد المسيرة الخضراء ، كانت :” مجرد تمثيلية ، ففي تلك اللحظات كانت الظروف تملي عليه أن يكون حذرا ، وأن لا يعطي الإنطباع انه مع المغرب . كل هذه التصريحات كانت في إطار تدبير عملية الرجوع للمغرب ، حسب ما وصلني من العائلة والأشخاص الذين كانوا معه . كان موقفه واضحا ودائما مع المغرب . كان عليه فقط أن يدبر المرحلة بطريقة فيها
الكثير من الذكاء والحذر “. في رواية أخرى لمحللين اصبح خطري على قناعة منذ بداية سنة 1975 ، بأن اسبانيا محدودة في الصحراء، ومعدودة . وأن القضية في طريقها إلى التسوية على طريق إتفاق ثلاثي بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا . كما كان مقتنعا أن لا مكان له في بوليساريو . في لحظة كانت أيدي المغرب مفتوحة له فلم يكن يريد الإرتماء في حضن المغرب . وفي 2 نونبر 1975 إلتقى سريا في لاس بالماس بالمستشار الملكي بنسودة وسلمه بيعته للملك الحسن قبل أن يطير في اليوم الموالي إلى أكادير مبايعا . ومنذ ذلك الوقت ظل إسم خطري مرتبطا في الذاكرة الشعبية المغربية بقضية الصحراء . وقد بقي بالمغرب إلى وفاته على سن 78 عاما في 1983 .
إرسال التعليق