
قراءة في واقع التحالف الحكومي المغربي
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
يشهد المشهد السياسي المغربي ارتجالية في حركات وسكنات أحزاب التحالف ، حيث من الملاحظ أن هناك دينامية متجددة في صفوف هذه الأحزاب ، والتي لا تزال تتأرجح بين ضغوطات المرحلة والتحديات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة، في ظل ترقب شعبي لمردودية الأداء السياسي ومدى قدرة الحكومة على تنفيذ وعودها والتي على ما يبدو فشلت في تنزيلها ، بل عجزت في برامجها والذي كان عنوانها الرئيسي هو العنوان الذي تبناه حزب أخنوش وهو “تستاهل ما أحسن”.
فكما هو معلوم في الظاهر، هو أن الحكومة الحالية تتكون من تحالف ثلاثي يجمع بين حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، إلا أنه ورغم ما أبدته هذه المكونات من انسجام أولي عقب تشكيل الحكومة، إنصهر خلال تطورات الأشهر الأخيرة ، والتي كشفت عن تباينات في الرؤى والاختيارات، خصوصا على مستوى تدبير بعض الملفات الحيوية كالإصلاح الضريبي، والسياسات الاجتماعية، والتعليم.
فرغم الخطاب الرسمي الذي يروج للوئام بين مكونات التحالف، تبقى مؤشرات عديدة تشير إلى وجود تباينات في الرؤى واختلافات لا نهاية لها ، فقد سجلت الساحة السياسية بعض التصريحات المتضاربة من قيادات داخل التحالف، عكست تباين مواقفها حيال القضايا الكبرى، كما ظهرت بعض الخلافات في تدبير المجالس المنتخبة، خاصة في الجهات التي تعرف شراكات بين هذه الأحزاب.
كل ذلك أدى إلى شد وجذب داخل الأغلبية ، وذلك من خلال التصريحات الإعلامية لبعض قيادات التحالف ، والتي أبانت عن نوع من التحفظات الداخلية، وإن لم تصل حد القطيعة أو التصعيد العلني ، فحزب الاستقلال، مثلا، لا يخفي تحفظه في بعض الأحيان إزاء القرارات التي تمس الفئات الاجتماعية الهشة، في حين يسعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى تثبيت موقعه في معادلة السلطة دون أن يضحي برصيده الانتخابي في المعارضة السابقة.
وأما حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، فيبدو مصرا على الحفاظ على تماسك الأغلبية، مراهنا على دعم القواعد الحزبية والبرامج الحكومية التي يصفها بـ”الواقعية والطموحة”، إلا أن الانتقادات المتصاعدة من الشارع ومن المعارضة، وخصوصا في ما يتعلق بتكلفة المعيشة وفرص الشغل، تفرض عليه مجهودا مضاعفا لإقناع الرأي العام.
وفي المقابل، هناك المعارضة التي تراقب وتحاول الظهور أنها تضغط، حيث تواصل هذه الأحزاب، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، الضغط على مكونات التحالف الحكومي من خلال مساءلات برلمانية ومواقف إعلامية حادة، إلا أنها محاولات محتشمة ولا يشعر بها رئيس الحكومة، فظاهريا هذه المعارضة ترى أن الحكومة الحالية لم ترقى بعد إلى مستوى التحديات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة، وتعتبر أن غياب الانسجام الحقيقي بين مكوناتها ينعكس سلبا على مردودية العمل الحكومي ، وما خفي يعلمه الله ، لأن ذلك يظهر من خلال المناقشات التي تبث عل الإداعة ، فكيف لمصير أمة أن يقيد نقاشه بمدة زمنية ضئيلة لا ترقى حتى لمدة إعلان على التلفاز.
فبالنسبة لأفق المرحلة المقبلة ، يبقى كمرحلة حاسمة في تحديد مصير التحالف الحكومي، فقد بدأت بعض الأحزاب في التحالف تتخذ مواقف تفهم على أنها محاولات للتموقع والاستعداد لمعركة انتخابية مبكرة خاصة في ظل الاستحقاقات السياسية والاجتماعية القادمة، والتي فشل التحالف في تنزيلها .
إن قدرة مكونات الأغلبية على تنسيق المواقف وتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة سيحدد مستقبلها ويعيد ترتيب الأوراق استعدادا للاستحقاقات المقبلة ، إما في اتجاه تعزيز الثقة الشعبية أو في تعميق فجوة الانتقادات ، فحزب الاستقلال أبدى مواقف ناقدة لبعض قرارات الحكومة، في حين يلاحظ تقارب متزايد بين الأصالة والمعاصرة وبعض القوى السياسية خارج التحالف، ما يفسر بأنه مناورات لإعادة التموضع ، وفي انتظار ذلك، تبقى حركات وسكنات أحزاب التحالف تحت المجهر، في مشهد سياسي مغربي يتسم بتعقيداته وتطلعاته في آن واحد.
و يرى المحللون أن نجاح التحالف في تجاوز هذه المرحلة رهين بمدى قدرته على تدبير الاختلافات الداخلية، وترسيخ آليات التنسيق السياسي، والحفاظ على وحدة الخطاب الحكومي، فالتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه البلاد، وفي مقدمتها تداعيات التضخم، وارتفاع الأسعار، والاحتجاجات القطاعية، تتطلب جبهة حكومية موحدة قادرة على التواصل الفعال مع المواطن وتقديم حلول ملموسة لتحقيق الانسجام والاستمرارية.
فأحزاب التحالف الحكومي تجد نفسها اليوم أمام اختبار مزدوج، وهو الحفاظ على التماسك الداخلي من جهة، وتحقيق انتظارات الشارع المغربي من جهة أخرى، وبين الحركات التكتيكية والسكنات الظرفية، يبقى المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات، في ظل ظرفية إقليمية ودولية معقدة.
فاطمة تورال
يجب السعي إلى تحالف مكشوف بين الاحزاب والشعب ..هذا ما على الاحزاب العمل عليه في نظري ..وأما فقاعات الخطاب الانتخابات تبخرت مع الريح
تعليق واحد