كأس العالم بين أقدام الشباب وأخطاء الحكومة: حين تنتصر الكرة وتنهزم السياسة

كأس العالم بين أقدام الشباب وأخطاء الحكومة: حين تنتصر الكرة وتنهزم السياسة
رصد المغرب/نعيم بوسلهام
قال محمود درويش ذات يوم إن كرة القدم هي “حقل التعبير المسموح به بتفاهم سري بين الحاكم والمحكوم في زنزانة الديمقراطية العربية”. واليوم، يبدو أن هذه العبارة تصلح تمامًا لوصف الحالة المغربية، حيث تحاول الحكومة تحويل ملاعب الكرة إلى مسرح بديل للسياسة، وملاذ شعبي لتصريف الغضب وشراء الصمت الجماعي.
تتويج المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة بكأس العالم في الشيلي إنجاز يستحق الفخر، لا شك في ذلك. لكن خلف هذا التتويج الرياضي، يختبئ فشل سياسي واجتماعي مدوٍ تحاول الحكومة التستر عليه بريق الألقاب ومشاهد التصفيق. ففي الوقت الذي يعيش فيه ملايين الشباب المغاربة بطالةً خانقة وتهميشًا متزايدًا، تُغرق الحكومة نفسها في احتفالات إعلامية وتغريدات تمجّد “النجاح المغربي”، وكأن الكأس الذهبية كفيلة بإطعام البطون الجائعة أو تهدئة الشوارع الغاضبة.
منذ سنوات، اختارت الدولة المغربية أن تستثمر في كرة القدم أكثر مما تستثمر في الإنسان. الملاعب تُبنى، والأكاديميات تُفتتح، والبعثات تُمول بسخاء، بينما المدارس العمومية تنهار، والمستشفيات تُترك لتتعفن في صمت، والشباب يُدفعون إلى الهجرة نحو أوروبا بحثًا عن كرامة مفقودة. إنها مفارقة فاضحة: بلد يصنع الأبطال في الميادين، لكنه يعجز عن صناعة الأمل في الحياة اليومية.
تروّج الحكومة اليوم لصورة “المغرب الرياضي الصاعد”، وتستعمل لغة الانتصار الكروي كأداة ناعمة لتلميع وجهها في الخارج. غير أن جيل زد، هذا الجيل الذي خرج إلى الشوارع مطالبًا بالكرامة والعدالة، أدرك اللعبة جيدًا. لم يعد منخدعًا بخطابات “الفرجة الوطنية” التي تُستخدم لتغطية الأزمات. هذا الجيل يرى في كل هدف يُسجل باسم الوطن، هدفًا مضادًا يُسجّل ضده في ميدان الواقع، حيث تُسحق طموحاته تحت أقدام السياسات الفاشلة والوعود الكاذبة.
لقد حاولت الحكومة أن تسوّق صورة وردية عن “المغرب الجديد”، لكنها لم تدرك أن الشارع تغيّر، وأن شباب اليوم لم يعد يقيس الوطنية بعدد الكؤوس، بل بمدى احترام الدولة لكرامة مواطنيها. فالاحتجاجات الأخيرة كشفت بوضوح أن الشعب لم يعد يصفق إلا لمن يستحق التصفيق، وأن المجد الرياضي لا يمكن أن يُستعمل غطاءً لفشل تدبيري أو عجز اجتماعي.
في النهاية، يحق لنا أن نفرح بتتويج شبابنا، لكن لا يحق للحكومة أن تختبئ وراء هذا الفرح. لأن كرة القدم مهما بلغت من شعبية، لا يمكن أن تكون بديلاً عن العدالة الاجتماعية ولا عن السياسات العمومية العادلة.
وكما قال درويش، ما زالت كرة القدم هي “الحيز المسموح فيه بالتعبير”، لكن الفرق اليوم أن المغاربة لم يعودوا يقبلون بهذا التفاهم السري. لقد قرروا أن يوسّعوا هذا الحقل، ليشمل الشارع والساحات والجامعات، حيث تُلعب المباراة الحقيقية:
مباراة الوعي ضد التزييف، والكرامة ضد التلميع.
إرسال التعليق