
تونس على صفيح ساخن: احتجاجات غاضبة تتهم سعيّد بالخضوع للوصاية الجزائرية
رصد المغرب / تونس
تشهد العاصمة التونسية وعدد من المدن الكبرى، منذ أيام، موجة احتجاجات شعبية متصاعدة تندد بتدهور الأوضاع الاقتصادية وتُدحمّل الرئيس قيس سعيّد مسؤولية ما وصفوه بـ”الانحدار العام” للدولة ، غير أن الشعارات المرفوعة هذا الأسبوع كشفت تحولا لافتا في طبيعة الخطاب الشعبي، فهناك مطالب من اجتماعية إلى اتهامات سياسية مباشرة، أبرزها اتهام النظام بالتبعية للجزائر.
وفي ساحة باردو، وشارع الحبيب بورقيبة، وساحات ولايات صفاقس وسوسة وقفصة، علت هتافات تطالب برحيل الرئيس: “يا سعيّد يا دكتاتور. إجاك الدور”. المشاركون في الاحتجاجات لم يترددوا في التشكيك في “سيادة القرار التونسي”، متهمين قيس سعيّد بتنفيذ توجيهات مصدرها قصر المرادية بالجزائر، وليس من داخل قرطاج ، مما أثر على جعل الإقتصاد منهك والمؤسسات تتداعى .
و تأتي هذه الاحتجاجات في ظل أزمة اقتصادية خانقة، تتجسد في نقص حاد في المواد الأساسية كالزيت والحليب والدواء، فضلا عن انهيار واضح في البنية التحتية، كان آخره انهيار جدار بأحد المعاهد التعليمية، ما خلف حالة من الغضب الشعبي، خصوصا بعد تداول صور توثق الحادثة ، مما جعل المعارضة تصدر تصريحا بأن “الرئاسة تدار من الخارج”.
كل ذلك جعل قيادات سياسية من المعارضة، إضافة إلى ناشطين بارزين، وجهوا اتهامات مباشرة للرئيس بالتفريط في القرار الوطني، وربطوا تحركاته الإقليمية وتوجهاته الأمنية بما وصفوه بـ”إملاءات جزائرية” ، ويشار إلى أن العلاقات بين قصر قرطاج ونظام عبد المجيد تبون شهدت تقاربا ملحوظا منذ استحواذ سعيّد على السلطة التنفيذية والتشريعية في يوليو 2021.
و في السياق ذاته، اتهمت منظمات حقوقية السلطات بشن حملة اعتقالات تعسفية طالت معارضين، وصحفيين، ونقابيين، بتهم تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة”، ما أعاد للأذهان ممارسات كانت تونس قد تخلصت منها بعد الثورة ، وهو وعد بتفكيك الدولة العميقة ، واستبدالها بنسخة جديدة .
فقد كان الرئيس قد تعهد منذ بداية فترة حكمه بـ”تطهير الدولة من الفساد وتفكيك منظومة الدولة العميقة”، لكن هناك معارضين يؤكدون أنه استبدلها بـ”نسخة خاضعة”، يتم فيها استخدام القضاء والإعلام والنقابات كأدوات للترهيب أو الاستقطاب.
وقال أحد المحتجين لمراسلنا: “تونس اليوم لا تحكمها مؤسسات مستقلة، بل تدار عبر خطوط حمراء مرسومة من خارج حدودها”، في إشارة إلى النفوذ الجزائري المتزايد ،
وهناك مخاوف إقليمية وتوسع النفوذ الجزائري ، حيث يرى محللون أن الجزائر تسعى إلى بسط نفوذها السياسي والأمني على دول الجوار ، انطلاقا من تونس وصولا إلى ليبيا، وهو ما يطرح تساؤلات عن التوازنات الإقليمية في شمال إفريقيا.
ففي المقابل ، لم يصدر أي رد رسمي من السلطات الجزائرية بخصوص هذه الاتهامات ، كما لم تعلق الرئاسة التونسية على ما يجري في الشارع ، مكتفية بالصمت منذ بداية موجة الاحتجاجات.
ففي وقت ترفع فيه شعارات تعيد إلى الأذهان الأيام الأولى للثورة ، يجد التونسيون أنفسهم أمام مفترق طرق جديد ، إما الخروج من الأزمة عبر استعادة القرار الوطني ، أو الانزلاق نحو مزيد من التوتر والتبعية ، وتبقى الأسئلة معلقة ، من يدير فعليا قصر قرطاج؟ وهل تعود تونس إلى مسارها الديمقراطي؟ أم أن صفحة جديدة من الاستبداد بدأت تكتب في الظل؟
إرسال التعليق