من الألم إلى الأمل: لطيفة بن زياتن ومسار أمٍّ تحوّلت إلى رمز عالمي لمكافحة التطرف

آخر الأخبار

من الألم إلى الأمل: لطيفة بن زياتن ومسار أمٍّ تحوّلت إلى رمز عالمي لمكافحة التطرف

رصد المغرب 

في قلب المأساة، تولد أحيانًا أعظم رسائل السلام. هذا ما جسّدته لطيفة بن زياتن، الناشطة الفرنسية من أصل مغربي، التي تحوّلت إلى صوتٍ عالمي يدعو إلى التسامح والتعايش بعد أن فقدت ابنها في حادث إرهابي عام 2012. كانت فاجعة فقدان الجندي عماد بن زياتن نقطة التحول الكبرى في حياتها، حين أقدم إرهابي فرنسي من أصول جزائرية، يُدعى محمد مراح، على قتله بدمٍ بارد. لم تتراجع لطيفة أمام الحزن، بل جعلت من الجرح رسالة، ومن المأساة دافعًا لمقاومة الفكر المتطرف.

من الفقد إلى الفعل
وقع الحادث بينما كان عماد، البالغ من العمر 30 عامًا، يلتقي القاتل في موقف سيارات بتولوز، في إطار اتفاق لبيع دراجة نارية. لكن اللقاء تحوّل إلى كمينٍ مأساوي، إذ أطلق مراح رصاصة في رأسه، ثم بدأ سلسلة عمليات قتل استهدفت جنودًا وأطفالًا، قبل أن تنتهي حياته في مواجهة مع الشرطة الفرنسية.

رغم الألم، دفعت الرغبة في الفهم لطيفة إلى زيارة مكان الجريمة. وهناك، حيث كانت آثار دماء ابنها لا تزال حاضرة، بدأت رحلتها الجديدة. كانت الصدمة الثانية أكبر حين استمعت إلى شباب الحيّ الذين أبدوا إعجابًا بما فعله القاتل، مبررين مواقفهم بالحرمان، والتهميش، والشعور بالإقصاء من المجتمع الفرنسي.

صرخت في وجوههم: “أنا أمّ عماد، هل تفتخرون بقتل ابني؟” وكان لهذا الموقف وقعٌ بالغٌ دفعها إلى قرار مصيري: مواجهة الفكر المتطرف بالحوار والعمل الميداني. ومن هنا انطلقت فكرتها بتأسيس جمعية تحمل اسم ابنها: “جمعية عماد من أجل الشباب والسلام”.

مقاربة شاملة للتصدي للتطرف
أدركت لطيفة أن التطرف لا ينشأ من فراغ، بل من بيئات تغيب فيها فرص التعليم والعمل، وتنتشر فيها مشاعر الغضب والاغتراب الاجتماعي، ويهيمن عليها خطاب الكراهية وسوء الفهم الديني. لذلك، انصبّ جهدها على زيارة الأحياء المهمشة، لقاء الشباب في المدارس والجامعات، وتنظيم ندوات عابرة للأديان والثقافات، لنشر قيم التسامح والاحترام المتبادل.

كما أولت عناية خاصة بالسجون، التي وصفتها بأنها “أكثر الأماكن التي تختزن الكراهية”، فعملت على التواصل مع السجناء، وتقديم الدعم النفسي والفكري لهم، لتشجيعهم على إعادة بناء حياتهم بعد السجن.

تقدير عالمي لرسالتها
لاقى نشاط لطيفة بن زياتن صدى واسعًا في فرنسا وخارجها. فقد مُنحت عدة جوائز وأوسمة تقديرًا لجهودها، منها:

جائزة مؤسسة شيراك للسلام؛

وسام جوقة الشرف الفرنسي من الرئيس فرانسوا هولاند؛

جائزة التسامح من جمعية “أصدقاء مارسيل رودلوف”؛

جائزة زايد للأخوّة الإنسانية عام 2021؛

تكريم من العاهل المغربي الملك محمد السادس؛

تكريم بابوي من البابا فرانسيس؛

إشادة من شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب.

التوثيق والرسالة المستمرة
لم تكتف لطيفة بالعمل الميداني، بل وثّقت تجربتها في كتاب “موت من أجل فرنسا: محمد مراح قتل ابني”، روت فيه تفاصيل رحلتها من الهجرة إلى الاندماج، ومن الفقد إلى الفعل، وسلطت الضوء على سبل تحصين الشباب من الانجرار نحو التطرف دون أن يتنكروا لهويتهم الأصلية أو لقيم المواطنة.

كما خُلدت قصتها في الفيلم الوثائقي “لطيفة في قلب المعركة”، الذي نقل إلى العالم صورة أمٍّ نذرت نفسها لبناء الجسور، وتجسيد القوة الكامنة في التسامح، لتصبح نموذجًا عالميًا للسلام الداخلي والاجتماعي.

إرسال التعليق