
توازن الردع بين إيران وإسرائيل..قراءة في القدرات العسكرية والتقنية
رصد المغرب/د.نجلاء سعد البحيري باحثة في الشؤون الاقليمية
يشكل التوازن العسكري بين إيران وإسرائيل أحد الأعمدة الخفية التي تستند إليها تفاعلات الشرق الأوسط بما فيها الصراعات الظاهرة والتحركات المواربة التي لا تظهر للعلن وتنبع أهمية هذا التوازن من كونه ليس مجرد توازن بين جيشين، بل بين رؤيتين استراتيجيتين إحداهما ذات طابع هجومي مباشر وهي العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والأخرى تعتمد على الاستنزاف غير المباشر وهي العقيدة الإيرانية التي تستخدم أدواتها الإقليمية بكثافة.
طبقًا لتصنيف Global Firepower لعام 2025 فإن الجيش الإيراني يحتل المرتبة الرابعة عشرة عالميًا، متقدمًا على نظيره الإسرائيلي الذي حل في المركز السابع عشر ويعكس هذا الترتيب نسقًا من التطور العددي والتقني المتفاوت الذي يستحق قراءة تفصيلية داخل عناصر القوة التقليدية وغير التقليدية لدى الطرفين.
في سلاح الجو تتفوق إسرائيل بشكل نوعي حيث تملك أكثر من 340 طائرة مقاتلة بينها 36 مقاتلة شبحية إف خمسة وثلاثين من طراز أدير بالإضافة إلى طائرات إف ستة عشر المتطورة ومقاتلات إف خمسة عشر متعددة المهام وتقوم هذه الطائرات بعمليات تدريب دورية في ظروف تشبه سيناريوهات الحرب مع إيران كما تدعمها شبكة متطورة من الطائرات المسيرة والرادارات الأرضية والمراقبة الجوية وهو ما يؤهل إسرائيل لتنفيذ ضربات دقيقة في العمق الإيراني خلال دقائق.
وتُعتبر إسرائيل من بين خمس دول فقط تمتلك أسطولًا عملياتيًا من المقاتلات الشبحية إف خمسة وثلاثين القادرة على تنفيذ هجمات بدون رصدها من الرادارات التقليدية وهذه الميزة تمنحها القدرة على استهداف منشآت حساسة مثل المفاعلات النووية الإيرانية أو قواعد الحرس الثوري داخل العمق الإيراني دون تحذير مسبق.
أما إيران فتملك أكثر من 500 طائرة بينها طائرات روسية وصينية مثل ميغ تسعة وعشرين وسوخوي أربعة وعشرين إلى جانب نسخ محلية معدلة مثل قاهر وثاندر لكن معظم هذه الطائرات تعاني من قدم المنظومة التكنولوجية كما أن بعض التقارير الغربية ومنها تقرير Jane’s Defence Weekly تشير إلى ضعف منظومة القيادة والسيطرة داخل سلاح الجو الإيراني ما يضعف من فعاليته في العمليات المعقدة.
لكن ما يعوض نقص التفوق الجوي الإيراني هو امتلاكها ترسانة صاروخية كبيرة ومتنوعة تشمل صواريخ شهاب وقيام وخيبر وباور إلى جانب صواريخ فاتح وزلزال التكتيكية القصيرة والمتوسطة المدى وتؤكد تقارير معهد الدراسات الاستراتيجية الدولي أن مدى بعض الصواريخ الإيرانية يصل إلى أكثر من ألفي كيلومتر بما يضع كل إسرائيل في نطاق الضرب المحتمل.
في مجال الدفاع الجوي تتقدم إسرائيل مرة أخرى بمنظومة متعددة الطبقات تشمل القبة الحديدية لاعتراض القذائف القصيرة ، ومقلاع داوود للصواريخ المتوسطة ،ومنظومة آرو للصواريخ الباليستية ووفق معهد IISS فإن القبة الحديدية اعترضت أكثر من 90 بالمئة من الصواريخ التي استهدفتها خلال المعارك مع غزة وهي نسبة نجاح استثنائية عالميًا.
في المقابل تمتلك إيران منظومات باور ثلاثمئة وإس ثلاثمئة الروسية ومنظومات محلية مثل طبس ومرصاد وتقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية بطهران تشير إلى أن القدرة الإيرانية على تغطية الأجواء ضد التهديدات المتوسطة تزداد سنويًا نتيجة تطوير تقني مكثف بالتعاون مع روسيا والصين إلا أن مراقبين غربيين يشككون في مدى تكامل هذه الأنظمة من حيث التنسيق والجاهزية في حال الحرب الشاملة.
أما في القوة البرية،، فتتقدم إيران عدديًا بامتلاكها أكثر من 610 آلاف جندي نشط وما يقرب من 2500 دبابة ومركبة مدرعة ويستند هذا الحجم إلى طبيعة العقيدة الإيرانية التي تعتمد على حشد بشري ضخم مع دعم من قوات الحرس الثوري والباسيج والميليشيات الرديفة المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان وتشير تقديرات RAND Corporation إلى أن الجيش الإيراني أعد أكثر من 120 ألف مقاتل من ميليشيات خارجية تدربوا على حرب المدن والاستنزاف.
وقد عززت طهران من قدراتها اللوجستية البرية من خلال مد شبكات أنفاق استراتيجية في الجنوب السوري والبادية العراقية تسمح بنقل الذخائر والعناصر القتالية دون التعرض للرصد الجوي أو الضربات المباشرة وهو تكتيك يشبه نموذج حزب الله في جنوب لبنان كما تشير مصادر استخباراتية أوروبية.
في المقابل تعتمد إسرائيل على جيش أكثر مرونة واحترافية بعدد أقل يقدر بـ 169 ألف جندي نشط وما يقرب من 2500 دبابة من طراز ميركافا وأنظمة دعم حديثة ويتميز الجيش الإسرائيلي بتكامل تقني كبير بين وحداته البرية والجوية والبحرية عبر نظام قيادة وسيطرة متطور يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتكامل الأقمار الصناعية وهو ما يتيح سرعة الحسم في العمليات البرية لكن ضمن نطاق زمني قصير.
على الصعيد البحري تمتلك إسرائيل أسطولًا محدودًا لكنه متقدمًا من حيث التقنية ويضم خمس غواصات دولفين من صنع ألماني تحمل صواريخ كروز بحرية وتستخدم في مهمات الردع النووي غير المعلنة ويشير تقرير من مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن هذه الغواصات تُبحر بصفة دائمة في البحر الأحمر والبحر المتوسط مما يمنح تل أبيب ذراعًا ضاربة من مواقع يصعب توقعها.
بينما تعتمد إيران على تكتيك الزوارق السريعة المزوّدة بصواريخ كروز وألغام بحرية ومنصات إطلاق متنقلة كما تشير بيانات وزارة الدفاع الإيرانية إلى امتلاك البحرية الإيرانية أكثر من 1300 زورق متنوع يستخدم في تكتيكات الكر والفر والاختفاء خصوصًا في الخليج العربي حيث تملك إيران نقاط سيطرة استراتيجية في مضيق هرمز وبالقرب من جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى.
كما تعمل إيران على استخدام الغواصات الصغيرة محلية الصنع التي يمكنها التحرك بسرية في مياه الخليج وتزرع ألغامًا بحرية أو تستهدف سفنًا تجارية لخلق أزمات دولية كما حدث في حوادث استهداف الناقلات منذ عام 2019 وفق تقارير وكالة الاستخبارات البحرية الأمريكية.
في الفضاء السيبراني تدور مواجهة غير تقليدية تصاعدت وتيرتها منذ عام 2010 عقب عملية ستاكس نت التي ضربت المنشآت النووية الإيرانية ومنذ ذلك الوقت نفذت إسرائيل عشرات الهجمات على الشبكات الإيرانية المستهدفة بينما ردت إيران باختراقات لشركات الطاقة الإسرائيلية وشبكات المياه والمصارف ووفق تقرير صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب فإن الصراع السيبراني بات يوازي من حيث التأثير خطر الضربات الجوية في حال اندلاع الحرب.
من حيث الاقتصاد العسكري تعتمد إسرائيل على مساعدات أمريكية سنوية تفوق ثلاثة مليارات دولار وتوقيع صفقات تسليح متقدمة دون قيود بينما تعتمد إيران على التصنيع المحلي والالتفاف على العقوبات الأمريكية والدولية ما يُكسبها مرونة جزئية في توفير البدائل لكن يُضعف من وتيرة التحديث التقني وهذا ما أكدته تقارير من منظمة FDD الأميركية حول فجوات الصناعة الدفاعية الإيرانية نتيجة القصف المتكرر للمجمعات الصناعية والبنية التحتية للطاقة.
أما من حيث امتداد التأثير في الإقليم فتمتلك إيران شبكة تحالفات مسلحة تشمل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق ولواء زينبيون في سوريا وباكستان وهو ما يمنحها قدرة على نقل المعركة خارج حدودها ويزيد من كلفة أي ضربة إسرائيلية محتملة.
في المقابل تركز إسرائيل على تفوقها النوعي وتقنياتها المتقدمة وتنسيقها الاستخباراتي مما يتيح لها شبكة معلومات تغطي معظم الجغرافيا المحيطة بها دون الحاجة إلى الانتشار المباشر.
وتشير خلاصات مراكز أبحاث مثل The Washington Institute وCarnegie Middle East إلى أن استمرار هذا التوازن على حافة الخطر قد يؤدي في أي لحظة إلى مواجهة خاطفة لكن شاملة ما لم تتدخل قوى دولية لفرملة التصعيد وتبريد الجبهات خصوصًا مع تفاقم دور الحرب بالوكالة في أكثر من ساحة.
في النهاية تبقى معادلة الردع بين إيران وإسرائيل مرهونة بمدى قدرة الطرفين على تطوير أدوات الحرب غير التقليدية وتوظيف التقنية والتكتيك بحكمة ويظل المجتمع الدولي شريكًا صامتًا في هذا التوازن الصاخب الذي قد ينفجر في أية لحظة دون سابق إنذار بما يهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم برمته.
إرسال التعليق