زلزال جيوسياسي تتشظي منه المنطقة والعالم ….!!

آخر الأخبار

زلزال جيوسياسي تتشظي منه المنطقة والعالم ….!!

رصد المغرب / د . انس الماحي


وكأن الشرق الأوسط كُتب عليه أن يكون مسرحاً لصراعات لا تنتهى وكأن الكيان الصهيونى فكرة عبقرية من واضعها حتى لا تهدأ منطقة الثروات وتظل البلاد الغربية وامريكا تستنزف من خيرات المنطقة بحجة الحماية ، فهم من صنعوا التوترات فى جغرافيتها وهم اصحاب المصلحة فى ذلك حيث تتبدل الوجوه وتختلف البنادق لكن الحرائق تبقى نفسها.

وها هي الحرب بين إيران وإسرائيل تُطلّ علينا كعاصفة كاسحة، لا تفرق بين حجر وبشر، لا تعبأ بخرائط، ولا تستأذن قبل أن تطرق أبواب الخراب، ولقد خلفت الحرب العديد من التداعيات فى العالم بأسره ففي شوارع برلين، وعلى بعد آلاف الأميال من أرض النار ، تظاهر المئات مطالبين بسقوط القيادة الإسلامية في طهران، في مشهد يعكس أن أصداء الحرب لم تبقَ حبيسة السماء المشتعلة في الشرق، بل تسربت إلى أروقة السياسة في الغرب وإلى صدور الشعوب التواقة للتغيير أو الرافضة للفوضى.

أما الأمم المتحدة وكعادتها، أطلقت تحذيرًا لا يخلو من الأسى : لا تجعلوا هذه الحرب سببًا في نزوح جديد، فحينما تفرّ الشعوب، لا تعود سريعًا، ومع تصاعد الهجمات، بدأت التحركات السكانية تتسع، وتقاطرت موجات النزوح من طهران ومن مدن الداخل الإيراني صوب الحدود، فيما اضطر الإسرائيليون إلى ترك بيوتهم، والتشبث بالملاجئ البعيدة، بحثاً عن نجاة قد لا تأتي.

وفي قلب هذا المشهد الإنساني القاتم، تبرز مفارقة دامغة إيران التي تستضيف 3.5 ملايين لاجئ – معظمهم من أفغانستان – باتت هي الأخرى تنزف من خاصرتها، تصدّر أبناؤها إلى المجهول، كما استقبلت يوماً من نزحوا من جحيم آخر.

أما تداعيات المواقف الدولية، فكُشفت أوراقها على الطاولة ففرنسا تتبنى تحفظًا خجولًا، تدعو إلى وقف التصعيد، وتكرر على استحياء أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس، لكن أصواتها لا ترتفع إلا حين تذكر برنامج إيران النووي.

بريطانيا تمضي على الدرب ذاته، صامتة عن الإدانة، داعمة للحق الإسرائيلي، وكأنها نسيت أن في كل ضربة تسقط طفولة، وتتهدم مدينة، وأمريكا الراعي الذي لا يتوارى خلف الكلمات، دعمت الضربة الأولى، وباركها الرئيس ترامب، معتقدًا أنها ستكسر ظهر إيران، وتجرّها صاغرة إلى طاولة التفاوض.

لكن إيران لم تنحنِ، استوعبت الضربة وتقدمت بخطى محسوبة لترد الصاع صاعين، بل عشرات، طالت صواريخها أعماق الأراضي المحتلة، وارتبك المشهد في تل أبيب، واهتزت أعمدة الثقة في واشنطن فلم تعد الحرب نزهة ، بل مستنقعًا قد تجرّ إليه أمريكا في توقيت لا يخدم مصالحها، لا في أوكرانيا ولا في بحر الصين الجنوبي.

أما الصين وروسيا، فربما تبتسمان في صمت. فكلما تعمق الاستنزاف الأمريكي، زادت فرص الهيمنة الآسيوية. فالصين ترى في هذه الفوضى رافعة لطموحها في تايوان، وروسيا تقرأ في دخان الحرب بارقة أمل في أوكرانيا.

وتركيا وباكستان، تراقبان بتوجس، فهما لا تفرحهما فوضى حدودية، ولا تريدان سقوط جار ثقيل كإيران. فغيابه لا يعني فقط انهيار نظام، بل زلزالًا إقليميًا قد لا ينجو أحد من شظاياه.

وفي الجنوب، يلوح طيف حزب الله، الذي وإن أصيب في معركة غزة الأخيرة باختراقات أمنية، إلا أنه لم ينسَ دوره في الجبهة الشمالية. فإيران بالنسبة إليه ليست حليفًا عاديًا، بل عمقًا وجوديًا. فهزيمتها قد تعني له الذوبان في العدم.

وهكذا، لا تبدو هذه الحرب مجرد جولة عسكرية، بل زلزالًا جيوسياسيًا تتشظى منه المنطقة والعالم. إنها حرب تتقاطع فيها المصالح، وتتشابك فيها الخيوط وتتراقص عند أطرافها مشاريع الأمم، وسقوط الأنظمة، وبكاء الشعوب.

إنها حرب لا تكتبها البنادق وحدها، بل تحفرها المعاناة في قلوب اللاجئين، وترسمها الدبلوماسية على خرائط النفوذ، وتخطها القذائف في ذاكرة الأرض.

وفي خضمّ هذا اللهيب، يظل السؤال معلقًا فوق رؤوسنا جميعًا هل نحن على مشارف شرق أوسط جديد؟ أم على أعتاب خراب لا نهاية له؟

إرسال التعليق