
“الحلقة الثانية” في موقف اليسار من الحرب الإمبريالية على إيران
رصد المغرب / العلمي الحروني
قبل الحديث عن موقف اليسار من الحرب الإمبريالة على إيران، وجب التذكير بأن اليسار الجديد المتجدد اليوم ليس جامدا ولا دغمائيا، بل القصد به اليسار الديناميكي المرتبط بالتطورات الفكرية والتحولات السياسية والجيوسياسية العالمية والمحلية. اليسار الحامل لقيمه الأصيلة ووخصائصه الأساسية ومبادئه المؤسسة التي تميزه وأساسا نهج الأممية والأخلاقية ومناهضة الرأسمالية وحللها الجديدة المناقضة لمشروعه، والتكاملية والتفاعلية بين/مع كافة الديناميات المحلية والإقليمية والأممية.
ولنقل عولمة النضال وأقلمته تجاه الشكل المعولم للرأسمالية النيوليبرالية، وغزوها كل مكان بالعالم، ذلك ما يستلزم، منطقيا، ملائمة الفعل السياسي اليساري مع هذا الواقع الأممي الجديد، الذي يشكل أقطابه الجديدة خاصة مع احتدام تعارض القوى المناهضة للرأسمال العالمي مع سياسات مراكز الرأسمال النيوليبرالي العالمي وهيمنة وسائل الإعلام النيوليبرالية. ذلك كله، ما يعطي النضال اليساري جوهره ومغزاه انسجاما مع طبيعته.
والخلاصة أن العقل اليساري ينظر لحرب الهيمنة الإمبريالية باعتبارها شكلًا من أشكال الاستعمار الجديد، تُستخدم فيها القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية لتطويع الدول الخارجة عن الطاعة الغربية، وخاصة تلك التي تحاول التحرر الوطني أو الاقتصادي.
فالحرب الامبريالية الحالية ضد إيران هي امتداد لسلسلة طويلة من الحروب الإمبريالية بكل من العراق و أفغانستان و سوريا، ليبيا وبعدها بفبلسطين ولبنان.
ذلك ما ذهب اليك كل من ناعوم تشومسكي عندما وصفها بأنها إمبريالية عدوانية، وكذا الهندي فاندا شيفا الذا اعتبر أن هذه الحروب أداة لسحق الشعوب الأصلية باسم “التحديث”. نفس الشيء ذهب اليه اليساري الأوسترالي جون بيليجر باعتباره الحديث عن أسلحة إيران النووية “كذبة مكررة” كما حدث مع العراق ذلك على غرار الكندي الفلسطيني آرون ماتيه الذي اعتبر السرديات الغربية اليوم مجرد ذرائع للتدخل الاستعماري.
فالواقع اليوم، أن إيران تواجه لوحدها كيانا يملك ترسانة جوية متطورة جدا وقنابل نووية تجعلها تخوض حربا في اطمئنان، كيان مدعوم بقوة من الغرب وأمريكا ودول إقليمية بالمنطقة على المستويات العسكرية والاستخباراتية والاعلامية. لا يمكن، بطبيعة الحال، عزل التصعيد الصهيوني ضد ايران وشعبها اليوم عن سياق تصفية القضية الفلسطينية، والاعلان عن تأسيس إسرائيل الكبرى بالجزيرة العربية والشام، وهي الإمبراطورية التي لن تعلن عن حدودها، هذه الحدود التي ” ستحددها قوتها العسكرية” كما قال دافيد بن غوريون. كما لا يمكن فصل هجوم الآلة الصهيونية الوظيفية، إسرائيل، عن هدفها الأساسي المتمثل في إسكات كل صوت يرفض التطبيع والاستسلام والخنوع، كما أن هدف اجتثاث منشآت إيران النووية ليس إلا مرحلة للهيمنة الامبريالية على خيرات كل المنطقة وطمس تاريخها وحضاراتها الكنعانية والفارسية والبابلية.
ولهذا فإن التضامن مع إيران في هذه اللحظة التاريخية، هو جزء من المعركة الكبرى من أجل التحرر الوطني والديمقراطية الفعلية، ليس فقط في إيران، ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا والسودان بل في كامل المنطقة وفي العالم. فالتضامن مع الشعب الإيراني موقف مبدئي وتلقائي وواجب على كل القوى اليسارية والديمقراطية المناهضة للرأسمالية وللإمبريالية في حلتها الجديدة النيوليبرالية وفصيلتها الحالية التيربوليبرالية التي تسارع الزمن بخطى سريعة لبسط سيطرتها على العالم ونهب الخيرات واستنزاف الطبيعة وقهر الانسان.
في ظل تصعيد القوى الغربية المتواصل ضد جمهورية إيران، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، ومع تنامي التهديدات العسكرية والضغوط الاقتصادية والسيبرانية، يجد اليسار نفسه أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية تفرض عليه اتخاذ موقف واضح ومبدئي من قضية استهداف إيران.
إن الالتزام الأممي لليسار ومناهضته لكل أشكال الهيمنة والإمبريالية، يجعل التضامن الكامل مع الشعب الإيراني في وجه العدوان الخارجي واجبا نضاليا أخلاقيا لاعتبار المساس بسيادة إيران واستقلالها هو تهديد مباشر لكل شعوب المنطقة الرافضة للهيمنة ولكل التجارب المقاومة لمشاريع التطبيع والتبعية.
إن هذا الواجب الأممي يتطلب التمييز الصارم بين التماهي مع النظام السياسي الأصولي الإيراني من جهة، ومناهضة العدوان الخارجي على الشعب الإيراني من جهة ثانية. إن اللحظة اليوم تقتضي تغليب منطق رفض الحصار والتطويق والعقوبات الغربية والاغتيالات والاستهدافات التي تطال إيران ونخبتها العلمية ومواطنيها والتي تتورط فيها أجهزة استخباراتية وعسكرية دولية بقيادة الكيان الصهيوني والنيوليبرالية العالمية.
فبأي منطق تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كأداة حقيقية يهيمن عليها الغرب بقيادة أمريكا، بالتفتيش المستمر طوال سنوات على البرنامج النووي السلمي لدولة إيران ووضع كاميرات بالمنشآت النووية لهذه الدولة، وفي المقابل يتم التغاضي والسكوت بل وحماية المنشآت النووية للكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين التاريخية؟
ومن موقعنا، في الحزب الاشتراكي الموحد، كتنظيم يساري مبدئي ومقاوم وملتزم بعدالة الشعوب وكرامتها، فإن الرفيقات والرفاق سيظلون ضمن صفوف المدافعين عن هذه القيم، قيم التحرر من الاستبداد ومناهضة الإمبريالية والانحياز التام لقضايا الشعوب وضمنها الشعب الإيراني الصامد، ورفض المعايير المزدوجة التي تصمت عن جرائم الكيان الصهيوني وتشيطن كل معارض لتوجهاته. ذلك يقتضي الإعلان عن هذا التوجه التضامني والتنديدي بهذا العدوان في بيانات الحزب تخصيصا وليس تعميما خارج حسابات ضيقة.
لقد تجبر الكيان الصهيوني المدلل غربيا وطغى على الشعوب بلبنان وفلسطين وسوريا والعراق، وأصابه الغرور لدرجة أنه ارتكب الخطأ القاتل في حساباته بشن حرب على الشعب الفارسي العريق الذي هو من أقدم الشعوب بالمنطقة، شعب أسس العديد من الإمبراطوريات، على مر التاريخ، مثل الإمبراطورية الأخمينية والساسانية، وهو بذلك حفر قبره بيده لتكون حربه على ايران آخر الحروب في المرحلة الراهنة بالشرق الأوسط وفصلا جديدا من بداية هزيمة الامبريالية بالمنطقة، في سياق حروب الإبادة للشعوب التي تعتبر، كما تمت الإشارة إليه سالفا، ارتدادات للحرب الامبريالية بأرض أوكرانيا.
فبنفس المنطق الامبريالي في دعم أوكرانيا ” حتى آخر جندي أوكراني” وقع الغرب على بداية هزيمته الحتمية بأوكرانيا، وسيرا على نفس النهج سيدعم الغرب وأمريكا ميلشيات الجيش الصهيوني حتى ” آخر جندي إسرائيلي” والتي ستؤدي إلى تفسخه وانهياره وتفكيكه ليأشر الغرب على هزيمته الحتمية الثانية.
ولأنه كما قال جان جوريس “الرأسمالية تحمل الحرب في طياتها كما تحمل السحابة العاصفة”، فإن أمريكا، قائدة الحروب، لن تهدأ وستنقل الحرب إلى التايوان وبحر الصين وهناك سيندلع الفصل الأخير للحرب العالمية الثالثة وستنتهي بهزيمة أمريكا، لكن هذه المرة دون معركة عسكرية، لأن الفكر والعقل الاستراتيجي الصيني بلد “سون تزو” الذي قال في مؤلفه ” فن الحرب” أن ” البراعة ليست في أن تنتصر في مئة معركة وإنما أن تنتصر دون أن تخوض القتال”.
وفي هذا التوجه يأتي الإعلان الرسمي الصيني عن قرار ضم التايوان إلى الدولة الصينية سنة 2027، وهو تاريخ نهاية الحرب العالمية الحالية وليس بدايتها وسيقرر حينذاك مصير وشكل النظام العالم الجديد وأقطابه، والإعلان عن هذا القرار هو بمثابة انذار رسمي صيني لأمريكا ما يعتبر إشارة سياسية من دولة عظمى تخاطب دولة عظمى أخرى. في انتظار ذلك، وجب البحث واستشراف مستقبل العالم وشكل أقطابه خلال سنتين من اليوم.
إرسال التعليق