
حين تعرقل الكرامة: هل يجهض إدماج المعتقلين السابقين بسلوك إداري فردي؟”
رصد المغرب /
في الوقت الذي خطت فيه الدولة المغربية خطوات جبارة في مجال العدالة الانتقالية، من خلال إقرار هيئة الإنصاف والمصالحة، وإطلاق برامج لإعادة إدماج المعتقلين السابقين، برزت نماذج إنسانية مشرفة حاولت بكل عزم أن تعود إلى المجتمع من بوابة الشغل والمبادرة الذاتية ، غير أن بعض السلوكات الفردية الصادرة عن مسؤولين إداريين تهدد هذه المكاسب، وتطرح تساؤلات حول مدى تفعيل روح المصالحة على أرض الواقع.
قصة عبد العزيز البقالي، المعتقل السابق الذي هو نموذج حي لهذا التعثر المؤلم ، فالرجل بعد خروجه من السجن، قرر أن يفتح صفحة جديدة مع الحياة، وأن يستثمر جهده في مشروع تعاوني لجمع وتسويق الحليب بشراكة مع تعاونية محلية ، كل شيء بدا واعدا، خصوصا بعدما حاز الموافقة من الجهات المعنية ، غير أن ما لم يكن في الحسبان، هو أن تجهَض هذه المبادرة بسبب تعسف إداري من طرف قائد قيادة سيدي اليمني، الذي لم يتردد، حسب الشكاية الموجهة إلى عامل عمالة طنجة-أصيلة، في التصريح صراحة بأنه “لا يعترف بحقوق المعتقلين السابقين”.
ولم يتوقف الأمر عند حدود التصريح فقط، بل تجاوزه إلى الضغط على شركاء عبد العزيز لطرده من التعاونية، تحت مبرر ماضيه السجني. وهنا نطرح سؤالا عريضا: هل يعقل أن يعاقب مواطن مرتين؟ مرة في السجن، وأخرى حين يحاول النهوض مجددا؟
إن هذه الواقعة، إذا ثبتت تفاصيلها، تمثل انتكاسة خطيرة لمنطق المصالحة الوطنية، وتتنافى مع التوجيهات السامية للملك محمد السادس، الذي ما فتئ يدعو إلى تمكين كل مواطن من الحق في العيش الكريم، بصرف النظر عن ماضيه، وكما جاء في خطاب صاحب الجلالة ، بأن العقوبة يجب أن لا تكون سالبة للكرامة ، كما تضرب هذه الممارسات بجهود مؤسسات كبرى مثل الرابطة المحمدية للعلماء التي انخرطت بجدية في مصاحبة المعتقلين السابقين ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع.
لقد آن الأوان لنفهم أن إعادة الإدماج ليست مجرد برنامج ورقي أو شعار سياسي، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب التزاما حقيقيا من كل الفاعلين، وفي مقدمتهم رجال السلطة ، فحين يتحول القائم على تطبيق القانون إلى معرقل للمصالحة، فنحن أمام خلل بنيوي يحتاج إلى تدخل عاجل.
فهل تتحرك السلطات المعنية لإنصاف عبد العزيز البقالي، ورد الاعتبار لمشروع ولد من رحم المعاناة؟ أم سنظل نراوح مكاننا في جدلية الشعارات والتعسف؟
إرسال التعليق