
صناعة التوحش: قراءة في الخلفيات الفكرية والسياسية للعنف الجهادي
رصد المغرب
نحاول في هذا البحث تحليل كتاب “صناعة التوحش، التكفير والغرب” للدكتور محمد محمود مرتضى، الذي يمثل دراسة معمقة في مسارات التحول العنيف داخل الفكر الجهادي، وخاصة من خلال تنظيم “الدولة الإسلامية”. يعتمد الكاتب على مقاربة نقدية تحليلية لتفكيك الخطاب الجهادي المعاصر في أبعاده الثلاثية: التوحش، التكفير، والعلاقة بالغرب.
أولاً: مفهوم التوحش كاستراتيجية
يتناول الكاتب مفهوم “التوحش” باعتباره منظومة متكاملة تهدف إلى خلق الرعب والانهيار المؤسساتي في المناطق الخارجة عن السيطرة، تمهيداً لفرض هيمنة الجماعات الجهادية. ويستند في ذلك إلى ما جاء في كتاب “إدارة التوحش” لأبي بكر الناجي، والذي يضع تصوراً واضحاً لكيفية استغلال الفراغ الأمني والسياسي.
ثانياً: التكفير كآلية للتصفية
يركز مرتضى على أن التكفير لم يعد مجرد موقف عقدي، بل أصبح أداة لتبرير العنف الشامل ضد الخصوم، سواء كانوا حكومات، جماعات إسلامية أخرى، أو حتى أفراداً من عامة المسلمين. ويشير إلى أن هذا الاستخدام للتكفير يعكس فهماً متشدداً ومنغلقاً للنصوص الدينية، يُقصي الآخر ويشرعن القتل.
ثالثاً: الغرب بين الاستغلال والتواطؤ
يناقش الكتاب العلاقة المعقدة بين الغرب وهذه التنظيمات، حيث يعرض لفكرة أن الغرب، في كثير من الأحيان، قد استفاد من صعود التنظيمات المتطرفة لإعادة رسم خرائط النفوذ أو لتبرير تدخلاته العسكرية. كما يشير إلى إمكانية وجود دور غير مباشر – استخباراتي أو سياسي – في دعم أو غض الطرف عن نشأة هذه الحركات.
رابعاً: البنية الفكرية للإرهاب المعاصر
يقدم الكاتب تحليلاً نقدياً للأطر المرجعية التي تتكئ عليها هذه الجماعات، من قبيل ابن تيمية، سيد قطب، وأبو مصعب الزرقاوي، ويكشف عن عمليات الاقتطاع والتأويل التي تُمارس على هذه النصوص من أجل شرعنة العنف.
يمثل كتاب “صناعة التوحش، التكفير والغرب” محاولة جادة لفهم البعد المركب للإرهاب الجهادي، ويقترح أن مواجهة هذا العنف لا يمكن أن تتم فقط عبر الوسائل الأمنية، بل تستلزم أيضاً تفكيك البنية الفكرية وتحليل السياق السياسي والدولي الذي يسمح بولادته وتغذيته.
إرسال التعليق