قضية سلمى: اعتداء وحشي، عقوبة خفيفة… والرأي العام بين الغضب والمطالبة بالإنصاف”

آخر الأخبار

قضية سلمى: اعتداء وحشي، عقوبة خفيفة… والرأي العام بين الغضب والمطالبة بالإنصاف”

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي

في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل مؤخرًا، تعرضت الشابة سلمى لاعتداء عنيف باستخدام أداة حادة تعرف بـ”رازوار”، من قبل فتاة أخرى في واقعة هزت الشارع وأثارت موجة واسعة من التعاطف والغضب.
فالاعتداء، الذي وصف بالوحشي، لم يقتصر على تمزيق وجه الضحية، بل خلف أثرا نفسيا وجسديا دائما، بعدما استدعى الأمر إجراء 54 غرزة طبية لإغلاق الجرح العميق في خدّها.

ولكن ما حول هذه الجريمة من حدث فردي إلى قضية رأي عام هو ليس فقط بشاعة الاعتداء، بل ما تبعه من قرار قضائي اعتبر مخيبا للآمال ، شهران فقط من الحبس النافذ في حق المعتدية، وهي مدة أثارت جدلا واسعا وصفت من قبل كثيرين بـ”العقوبة المخففة وغير الرادعة”.

إن الحكم القضائي الذي صدر عن المحكمة المختصة أثار تساؤلات عدة، ليس فقط حول آلية تقدير العقوبات، بل حول الرسالة التي يمكن أن تفهم من خلف مثل هذه الأحكام. فهل يعقل أن تشوه حياة فتاة بالكامل، وتختزل الجريمة في مجرد “شجار عابر” يعاقب عليه بشهرين من السجن فقط؟ وما هي عقوبة الضرر المعنوي ؟ فهل أُخذت الأضرار النفسية والآثار الدائمة بعين الاعتبار؟

الردود على مواقع التواصل الاجتماعي لم تتأخر، بل جاءت سريعة وعنيفة، تحت وسم كلنا_سلمى، حيث عبر آلاف المستخدمين عن تضامنهم مع الضحية، ورفضهم لما وصفوه بـ”التساهل في وجه العنف”، مطالبين بمراجعة الحكم القضائي، ومساءلة مدى ملاءمته مع خطورة الفعل المرتكب.

وما زاد الطين بلة هو بعد الحكم، ظهرت المعتدية في مقطع فيديو متداول تتحدث فيه علنا بوجه مكشوف، موجهة شتائم وتهديدات لوالد الضحية، ومستخدمة لهجة اعتبرها كثيرون مستفزّة.
فظهورها بهذه الطريقة، دون شعور بالخوف من تبعات قانونية، أعاد إشعال النقاش حول مدى فعالية الردع القضائي، وفتح باب أوسع للتساؤلات . فهل يمكن لجريمة أن تمرّ دون مساءلة كافية؟ وهل يمكن أن يرى الجناة العقوبة مجرد محطة عبور لا تردعهم عن التمادي؟

وبعيدا عن العواطف والانفعالات، برزت في الأوساط الحقوقية والقانونية دعوات جادة إلى إعادة النظر في هذه القضية، سواء من خلال فتح تحقيق إضافي أو مراجعة الحكم بناءً على مستجدات ظهرت بعد النطق به. لأن القضية لم تعد شأنا فرديا ، بل أصبحت اختبارا حقيقيا لمدى قدرة القضاء على بث الطمأنينة في نفوس المواطنين، وفرض هيبة القانون في وجه كل سلوك عنيف.

ويؤكد مختصون أن مثل هذه القضايا تتطلب حساسية خاصة، لأن الاعتداء على الجسد، وخاصة الوجه، لا يعد ضررا عابرا، بل هو تشويه دائم يلازم الضحية مدى الحياة، وقد يترك آثارا نفسية تتجاوز في أحيان كثيرة الألم الجسدي.

من المؤكد أن استقلالية القضاء مبدأ لا يمكن المساس به، وهو أساس في أي دولة تحترم مؤسساتها. ولكن من حق المجتمع أيضا أن يتساءل وأن يطالب بالوضوح، خاصة عندما يرى أن ضحايا العنف لا ينصفون بالشكل الكافي، أو عندما يشعر بأن العقوبة لا تعبّر عن فداحة الفعل. فالمجتمع لا يطلب الانتقام، بل العدالة. تلك العدالة التي تشعر الضحية بالأمان، والجاني بالمسؤولية، والمجتمع بأن هناك ميزانا يرجح كفة الحق على كفة التهاون.

فقضية سلمى تفتح الباب أمام مراجعة أوسع لكيفية التعاطي مع الجرائم التي تترك آثارا دائمة على الضحايا. وتذكرنا بأن العدالة ليست مجرد قوانين جامدة، بل منظومة حية تبنى على الثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

فقد تكون القضية قد انتهت قانونيا، لكن اجتماعيا ونفسيا، لم تنته بعد. ولا تزال الأسئلة مطروحة، تنتظر إجابات واضحة من داخل أروقة العدالة، وبصوت المجتمع.

إرسال التعليق